قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ﴾؛ أي اضرِبُوا المقتولَ ببعضِ البقرةِ؛ أي بعُضوٍ منها. واختلفوا في هذا البعضِ ما هو؟ فقال ابنُ عبَّاس: (الْعُضْوُ الَّذِي يَلِي الْغُضْرُوفَ وَهُوَ الْمَقْتَلُ). وقال الضحَّاك: (بِلِسَانِهَا). وقال سعيدُ بن جبير: (مُعْجَبُ ذَنَبهَا؛ وهو العُصْعُصُ؛ لأنَّهُ أسَاسُ الْبَدَنِ الَّذِي رُكِّبَ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ أوَّلُ مَا يُخْلَقُ وَآخِرُ مَا يَبْلَى). وقال مجاهدُ: (بَدَنِهَا). وَقِيْلَ: بفخذِها. وَقِيْلَ: فخذها الأيْمن. وقال السديُّ: (البُضْعَةُ الَّتِي بَيْنَ كَتِفَيْهَا). ففعَلُوا ذلك، فلما ضرَبُوهُ قامَ القتيلُ حيّاً بإذن الله تعالى وأوداجهُ تَشْخُبُ دَماً. فسألوهُ: مَن قتلَكَ فقال: فلانٌ وفلانٌ؛ لابني عمٍّ له. ثم اضطجعَ ميْتاً. فأُخذا فقُتلاَ. وفي الآية اختصارٌ تقديرهُ: ﴿ فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ﴾ فضربوهُ فحيَى. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ ﴾؛ أي كما أحيَى عاميلَ بعد موتهِ كذلك يُحيي اللهُ الموتى. ﴿ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ﴾؛ أي عجائب قُدرته ودلالتهِ.
﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾؛ أي لكي تفهمُوا إحياءَ الموتى وغير ذلك. قال الواقديُّ: (كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ ﴿ لَعَلَّكُمْ ﴾ فَهُوَ بمَعْنَى (لِكَي) غَيْرَ الَّذِي فِي الشُّعْرَاءِ:﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾[الشعراء: ١٢٩] فَإِنَّهُ بمَعْنَى كَأَنَّكُمْ تَخْلُدُونَ فَلاَ تَمُوتُونَ). والله تعالى كان قادراً على إحيائه بغيرِ هذا السبب؛ إلا أنَّ الله أمرَهم بذلك؛ لأن إحياءَ الميتِ بالميتِ آكدُ دليلاً وأبينُ قدرةً.


الصفحة التالية
Icon