وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً ﴾؛ أي ليس كما تقولون. قال الكسائيُّ: (الْفَرْقُ بَيْنَ بَلَى وَنَعَمْ: أنَّ بَلَى إقْرَارٌ بَعْدَ جَحْدٍ؛ وَنَعَمْ جَوَابُ، اسْتِفْهَامٍ لِغَيْرِ جَحْدٍ. فَإِذَا قِيْلَ لَكَ: ألَيْسَ فَعَلْتَ كَذَا؟ تَقُولُ: بَلَى. أوْ قِيْلَ لَكَ: ألَمْ تَفْعَلْ كَذَا؟ تَقُولُ: بَلَى). وَقَالَ تَعَالَى:﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ ﴾[الأعراف: ١٧٢].
وقالَ في غيرِ الجحُودِ:﴿ فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ ﴾[الأعراف: ٤٤].
وإنَّما قال ها هُنا: بَلَى؛ للجُحودِ الذي قبلَهُ وهو قَوْلُهُ:﴿ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ ﴾[البقرة: ٨٠] والسببُ هنا الشِّركُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ ﴾.
قرأ أهلُ المدينةِ: (خَطِيْئَاتُهُ) بالجمعِ. وقرأ الباقون (خَطِيْئَتُهُ) على الواحدِ. والإحاطةُ: الإحْدَاقُ بالشَّيء من جميع نواحيه؛ أي سُدَّتْ عليه طريقُ النَّجاةِ؛ وماتَ على الشِّركِ. وَقِيْلَ: السَّيِّئَةُ: الذَّنْبُ الذي وُعِدَ عليه العقابَ. والخطيئةُ: الشِّركُ. ولا بدَّ أن تكون الخطيئةُ أكبرَ من السيئة؛ لأن ما أحاطَ بغيره كان أكبرَ منه. وأصل بَلَى: بل؛ وهو لردِّ الكلام الماضي؛ وإثبات كلام آخر مبتدأ؛ وإنَّما زيدت اللام لتحسين الوقف. وقيل: أصله: بل لا؛ فخففت. وقال الربيع بن خيثم في معنى قوله: ﴿ وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ ﴾: هُوَ الَّذِي يُصِرُّ عَلَى خَطِيْئَةٍ قَبْلَ أنْ يَمُوتَ، ومثله قال عكرمة. وقال مقاتلُ: يَعْنِي أصَرَّ عَلَيْهَا. وقال الكلبيُّ: مَعْنَى ﴿ وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ ﴾ أيْ أوْبَقَتْهُ ذُنُوبُهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ ظاهرُ المعنى.


الصفحة التالية
Icon