قَوْلُهُ: ﴿ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ ﴾؛ هذا جوابُ قولِ اليهود:﴿ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ ﴾[البقرة: ١١١] و﴿ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً ﴾[البقرة: ٨٠].
وقولِهم:﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾[المائدة: ١٨] فكذَّبَهم اللهُ وألزمَهم الحجةَ فقال: قل لَهم يا مُحَمَّدُ: ﴿ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ ﴾؛ يعني الجنَّةَ؛ ﴿ خَالِصَةً ﴾؛ أي خاصَّةً: وَقِيْلَ: صافيةً.
﴿ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ ﴾؛ أي فاسألُوا اللهَ الموتَ؛ فإنَّ مَن كان بهذه الصفةِ فالموتُ خيرٌ له ولا سبيلَ إلى دخول الجنَّة إلا بعد الموتِ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾؛ أي في قولكم؛ فقولوا: اللهم أمِتنا. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: بعد نزول هذه الآية:" إنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْنَ فِي مَقَالَتِكُمْ فَقُولُواْ: اللَّهُمَّ أمِتْنَا، فَوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لاَ يَقُولُهَا رَجُلٌ مِنْكُمْ إلاَّ غَصَّ برِيْقِهِ فَمَاتَ مَكَانُهُ "فأبَوا أن يفعلُوا ذلك. قال ابنُ عبَّاس: عن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" لَوْ قَالُواْ ذَلِكَ مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ يَهُودِيٌّ إلاَّ مَاتَ "فَلَمَّا لَمْ يَقُولُواْ ذَلِكَ أنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلًّ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾؛ أي أسلَفَت من المعاصِي وكتمان صِفَةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وقولهُ: ﴿ أَبَداً ﴾ يعني هي مدَّةُ العمرِ. وأما بعدَ ذلك فإنَّهم يَتَمَنَّوْنَهُ في الآخرةِ وقتَ مشاهدةِ العذاب. وإنَّما أضافَ إلى الأيدِي؛ لأنَّ أكثر المعاصي تكون باليدِ. ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ ﴾.


الصفحة التالية
Icon