قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ﴾، يعني التوراة.
﴿ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾؛ يعني القرآن: وقيل: التوراة أيضاً؛ لأنَّهم إذا نبذوا القرآنَ فقد نبذوا التوراة. والنَّبْذُ: الطَّرْحُ. وقرأ ابن مسعود: (نَقَضَهُ فَرِيْقٌ). وقال عطاءُ: (هَيِ الْعُهُودُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الْيَهُودِ كَفِعْلِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيْرِ). والدليلُ قوله تعالى:﴿ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ﴾[الأنفال: ٥٦] وكانوا قد عاهَدوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أن لا يعينُوا عليه أحداً؛ فنقضوا وأعانوا مشركي قريش عليه يومِ الخندق. وإنَّما قال:﴿ فَرِيقٌ مِّنْهُم ﴾[البقرة: ١٠٠] لأن علماءَهم هم الذين نبذوا عناداً مع العلم به؛ وإنَّما قال:﴿ بَلْ أكْثَرُهُمْ ﴾[البقرة: ١٠٠] لأنَّ منهم من آمنَ وهو ابنُ سلام وكعبُ الأحبار وغيرهما. والنبذُ وراءَ الظَّهر مثل من يستخِفُّ بالشيء ولا يعملُ به. تقول العربُ: اجعل هذا خلفَ ظهرك؛ وتحت قدمِكَ؛ ودُبُرَ أذنك؛ أي اتركهُ وأعرِض عنه، قال اللهُ تعالى:﴿ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً ﴾[هود: ٩٢].
وأنشد الزجَّاج: نَظَرْتَ إلَى عِنْوَانِهِ فَنَبَذْتَهُ كَنَبْذِكَ نَعْلاً أخْلَقَتْ مِنْ نِعَالِكَا