قوله: ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ ﴾ الخ، المقصود من هذه الآية، تسليته للنبي صلى الله عليه وسلم والرد على المشركين حيث قالوا:﴿ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ ﴾[الفرقان: ٧] الخ. قوله: ﴿ إِلاَّ إِنَّهُمْ ﴾ الجملة حالية، وإن مكسورة باتفاق القراء، واللام للابتداء زحلقت للخبر، والمعنى ما أرسلنا قبلك من المرسلين في حال من الأحوال، إلا في حالة أكلهم الطعام، ومشيهم في الأسواق، أي فهذه عادتهم ودأبهم، فإن هجوك بذلك فقد هجوا جميع الأنبياء فلا تحزن. قوله: ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً ﴾ أي إن الدنيا دار بلاء وامتحان، فجعل بعض العبيد فتنة لبعض، ليظهر الصابر من غيره، قوله: (ابتلي الغني بالفقير) الخ، فالغني ممتحن بالفقير يحسده، والفقير ممتحن بالغني يسخر به ويحتقره، والصحيح ممتحن بالمريض. يقول: لم لم نعاف، ونصير مثل هذا، والمريض ممتحن بالصحيح يتكبر عليه ويغتر بصحته، والشريف كالأنبياء والعلماء والصلحاء، ممتحن بالوضيع يحسده على ما أعطاه الله وهكذا، والمخلص من ذلك الصبر على أحكام الله والرضا بها، لأن الواجب على الإنسان أن ينظر في أمور الدنيا إلى من هو دونه، ولا ينظر إلى من هو فوقه، لئلا يزدري نعمة الله عليه، وفي أمور الآخرة إلى من هو فوقه، ليصرف نفسه فيرجع عليها باللوم والندم، ومن هنا ينبغي صحبة الصالحين والمساكين وموافقتهم ليقتدى بهم. قوله: (يقول الثاني) أي الفقير والمريض الوضيع، وقوله: (في كل) أي من الأقسام الثلاثة، وبالجملة فالفتنة أن يحسد المعافى المبتلى، والصبر أن يحبس كل منهما نفسه، هذا عن البطر، وهذا عن الضجر، عن أبي الدرداء أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ويل للعالم من الجاهل، وويل للجاهل من العالم، وويل للمالك من المملوك، وويل للملوك ممن المالك، وويل للشديد من الضعيف، وويل للضعيف من الشديد، وويل للسلطان من الرعية، وويل للرعية من السلطان، بعضكم لبعض فتنة "وهو قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ﴾.
قوله: (استفهام بمعنى الأمر) هذا أحد وجهين، والوجه الآخر أن الاستفهام على حقيقته، أي لينظر أيحصل منكم صبر أم لا، فيجازيكم على ذلك. قوله: ﴿ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ﴾ في ذلك تأنيس للعبد، أي إن الله بصير ومطلع على من يصبر ومن يجزع، فلا تنبغي الشكوى للخلق، ولا إظهار ما في القلوب، بل إن وجد الشخص في نفسه صبراً فليشكر الله، وإن وجد غير ذلك، فعليه أن يرجع إلى ربه بالندم والتوبة. قوله: (لا يخافون البعث) أي لأنهم منكرون له. فهم يزعمون أنهم آمنون منه. قوله: (هلا) أشار بذلك إلى أن ﴿ لَوْلاَ ﴾ تحضيضية. قالوا: (فكانوا رسلاً الينا) أي بالشرائع ونحوها بدل محمد. قوله: ﴿ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ﴾ أي يكشف الحجاب لنا فنراه عياناً. قوله: (فنخبر) بالبناء للمفعول أي يخبرنا هو بأن محمداً رسوله. قوله: (قال تعالى) أي رداً عليهم مقالتهم. قوله: (تكبروا) أي حيث لم يرضوا بأن يكون رسولهم من البشر، بل طمعوا أن يكون من الملائكة. قوله: ﴿ فِيۤ ﴾ (شأن) ﴿ أَنفُسِهِمْ ﴾ أي أنهم عدوا أنفسهم كبيرة لأمر قام بها. قوله: (بطلبهم رؤية الله) متعلق بعتواً والباء للسببية، ولم يذكر متعلق ﴿ ٱسْتَكْبَرُواْ ﴾ وقد علمته، وفي الآية لف ونشر مرتب، فالاستكبار راجع لطلبهم نزول الملائكة، والعتق راجع لطلبم رؤية الله. قوله: (على أصله) أي من غير إبدال. قوله: (بالإبدال في مريم) أي لمناسبة رؤوس الآي، وأصله عتووا، كسرت التاء فوقعت الواو ساكنة إثر كسرة قلبت ياء، ثم اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء.