قوله: ﴿ وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ ﴾ عبر بالطمع المفيد عدم الأخذ في الأسباب، مع أنها حاصلة منه لعدم اعتماده عليها. قوله: ﴿ أَن يَغْفِرَ لِي ﴾ ذكر ذلك تواضعاً وتعليماً للأمة، وإلا فهو معصوم من الخطايا، قوله: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً ﴾ لما ذكر تلك الأوصاف قوي رجاؤه في ربه، فطلب منه معالي الأمور، وخير الدنيا والآخرة. قوله: (علماً) أي زيادة فيه. قوله: ﴿ وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ ﴾ أي في العمل أو في درجات الجنة. قوله: ﴿ وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ ﴾ من اضافة الموصوف للصفة، أي ذكراً حسناً، من باب تسمية الشيء باسم آلته. قوله: (الذين يأتون بعدي) وقد أجابه الله تعالى، فما من أمة من الأمم، إلا وهي تحييه وتثني عليه بخير، سيما هذه الأمة المحمدية خصوصاً في المؤمنين منهم، فإنهم يذكرونه بخير في كل تشهد، وإنما طلب ذلك لينتفع به هو، وينتفع به المثني، لكن بشرط الإيمان، وأما حديث:" من أحب قوماً حشر معهم وإن لم يعمل بعملهم "فمعناه: إذا اشتركوا معهم في الإيمان وإن لم يصلوا لمقامهم. قوله: ﴿ مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ ﴾ أي مندرجاً فيهم ومن جملتهم، وأضافة جنة النعيم من اضافة المحل إلى الحال فيه، فالمراد مطلق الجنة لا خصوص الدار المسماة بذلك، وقد أجابه الله في جميع دعواته، سوى الدعاء بالغفران لأبيه. قوله: (بأن تتوب عليه) الخ، ظاهره أن هذا الدعاء صدر من إبراهيم وأبوه حي، ولكن ينافيه قوله: (وهذا قبل أن يتبين له) فإن التبين المذكور، إنما حصل بموته كافراً، وحينئذ فلا يصح جعله قيداً للدعاء له في حياته بالتوفيق للإيمان، وإنما يصح لو كان المراد الدعاء له بمغفرة الذنوب على حالته التي هو عليها، وأجيب: بأنه لا مانع أن الله أعلم إبراهيم بموت أبيه كافراً وهو حي، فقد صح ما قاله المفسر. قوله: (وهذا) أي الدعاء له بما ذكر. قوله: (كما ذكر في سورة براءة) أي قوله:﴿ وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ ﴾[التوبة: ١١٤].
الآية. قوله: (تفضحني) أي تكشف عيوبي بين خلقك، وهذا تواضع منه أو بالنظر للتجويز العقلي، فإن تعقيب المطيع جائز عقلاً لا شرعاً. قوله: (قال تعالى) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ ﴾ الخ، من كلام الله تعالى، ويصح أن يكون من كلام إبراهيم، فيكون بدلاً من يوم قبله. قوله: (لكن) ﴿ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ ﴾ الخ؛ أشار المفسر بذلك إلى أن الاستثناء منقطع، ولكن ينافيه تقديره أحداً، فتحصل أن الاستثناء، إما منقطع إن جعل من قوله: ﴿ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ ﴾ ويكون المعنى (لكن) ﴿ إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ فإنه ينتفع، أو متصل أن جعل من المفعول الذي قدره المفسر، والتقدير لا ينفع المال والبنون أحداً إلا الذي أتى الله بقلب سليم، فإنه ينفعه المال والبنون. قوله: (وهو قلب المؤمن) أي فينتفع بالمال الذي أنفقه في الخير والولد الصالح بدعائه له لما في الحديث:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ".