قوله: ﴿ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ ﴾ أي فبعد الإنذار تواضع لمن آمن منهم، وتبرأ ممن بقي على كفره، ولا تخف من تحزبهم واجتماعهم وكثرتهم، فإن الله حافظك وناصرك عليهم فتوكل عليه. قوله: (بالواو والفاء) أي فهما قراءتان سبعيتان، فعلى الواو هو معطوف على قوله: ﴿ وَأَنذِرْ ﴾، وعلى الفاء هو بدل من قوله: ﴿ فَقُلْ إِنِّي بَرِيۤءٌ ﴾.
قوله: ﴿ عَلَى ٱلْعَزِيزِ ﴾ أي الغالب على أمره، القاهر لكل معارض لأمره. قوله: ﴿ ٱلرَّحِيمِ ﴾ أي بالمؤمن الممتثل لأمره. قوله: ﴿ حِينَ تَقُومُ ﴾ أي منفرداً، قوله: ﴿ وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ ﴾ أي مع الجماعة. قوله: (إلى الصلاة) لا مفهوم لها، بل يراه حين يقوم للجهاد وللخطبة وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من سائر تنقلاته، وإنما خص الصلاة، لأنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ولأن قرة عينه فيها لما في الحديث:" وجعلت قرة عيني في الصلاة "والمراد برؤيته إياه، زياد تجلي الرحمة عليه، وإلا فرؤيه الله حاصلة لكل مخلوق. قوله: ﴿ وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ ﴾ ﴿ فِي ﴾ على كلام المفسر بمعنى مع وقيل إن ﴿ فِي ﴾ على بابها، والمراد بالساجدين المؤمنون. والمعنى: يراك متقلباً في أصلاب وأرحام المؤمنين، من آدم إلى عبد الله فأصوله جميعاً مؤمنون، وأورد على هذا آزر أبو إبراهيم فإنه كان كافراً. وأجيب بجوابين الأول أنه كان عمه وسام أبيه تارح، الثاني أنه كان أباه حقيقة، وقولهم إن أصوله صلى الله عليه وسلم ليسوا كفاراً محله ما دام النور المحمدي في الواحد منهم، فإذا انتقل لمن بعده، فل مانع من أن يعبد غير الله، وحينئذ فآزر ما كفر، إلا بعد انتقال النور منه إلى إبراهيم ولده. قوله: ﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ ﴾ الخ، هذا رد لقولهم إنه كاهن. قوله: ﴿ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَاطِينُ ﴾ الجار والمجرور متعلق بتنزل، والجملة في محل نصب، سادة مسد المفعول الثاني والثالث إن جعل ﴿ أُنَبِّئُكُمْ ﴾ متعدياً لثلاثة، ومسد الثاني فقط إن جعل متعدياً لاثنين. قوله: (وغيره) أي كالسطيح. قوله: (من الكهنة) جمع كاهن، وهو الذي يخبر عن الأمور المستقبلة، والعراف هو الذي يخبر عن الأمور الماضية. قوله: ﴿ يُلْقُونَ ٱلسَّمْعَ ﴾ يحتمل أن الضمير عائد على الشياطني، والمعنى يلقون ما سمعوه إلى الكهنة، ويحتمل أنه عائد ﴿ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ ﴾، والمعنى يلقون ما سمعوه من الشياطين إلى عوام الخلق، أو المعنى يصغون إلى الشياطين بكليتهم حين يسمعون منهم. قوله: ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ الضمير إما عائد على الشياطين أو الكهنة، والأكثرية باعتبار الأقوال، أي أكثر أقوالهم كاذبون فيها، والأقل فيها صدق، وليس المراد أن الأقل فيهم صادق، بل الكل طبعوا على الكذب، وأكثر الكلمات كذب وأقلها صدق. قوله: (وكان هذا قبل أن حجبت الشياطين عن السماء) دفع بذلك التناقض بين ما هنا وما تقدم في قوله:﴿ إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ﴾[الشعراء: ٢١٢] وحاصل ذلك: أن هذه الآية إخبار من الله عن الشياطين قبل عزلهم عن السماوات، وتمثيله بمسيلمة باعتبار ما كان قبل وجوده صلى الله عليه وسلم، وأما بعد وجوده فلم يصل لمسيلمة ولا غيره شيء من الشياطين.