قوله: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ﴾ هو بالمد بمعنى أعطينا، وهو شروع في ذكر القصة الثانية، وكان لداود تسعة عشر ولداً أجلهم سليمان، وعاش داود مائة سنة، وسليمان ابنه نيفاً وخمسين سنة، وبين داود وموسى خمسمائة سنة وتسع وستون سنة، وبين سليمان ومحمد صلى الله عليه وسلم ألف وسبعمائة سنة. قوله: (بالقضاء بين الناس) أي وهو علم الشرائع. قوله: (ومنطق الطير) أي تصويته. قوله: (وغير ذلك) أي كتسبيح الجبال. قوله: ﴿ وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ أي شكر كل منهما ربه على ما أنعم عليه به. قوله: ﴿ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا ﴾ أي أعطانا هذا الفضل العظيم. قوله: (وتسخير الجن والإنس) الخ، ظاهره أن هذا كان لكل من داود وسليمان وهو كذلك، إلا أن سليمان فاق أباه، وكانت له السلطنة الظاهرة. قوله: ﴿ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي الذين لم يؤتوا مثلنا، وهذه مزية، وهي لا تقتضي الأفضلية، فداود وسليمان وإن أعطيا تلك المزايا، فأولوا العزم أفضل منهما، لأن التفضيل من الله لا بالمزايا. قوله: ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ﴾ أي قام مقامه في ذلك دون سائر بنيه التسعة عشرة، مع كون النبوة والعطايا التي مع داود مستمرة معه، وليس المراد أن نبوة داود وعطاياه انتقلت منه لسليمان وصار داود بلا شيء. قوله: ﴿ وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ﴾ أي قال سليمان لبني إسرائيل: شكراً لله على نعمه. قوله: ﴿ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ ﴾ أي فهمنا الله أصوات الطير، ولا مفهوم للطير، بل كان الزرع والنبات يكلمه ويفهم كلامه، ورد أن سليمان كان جالساً، إذ مر به طائر يطوف، فقال لجلسائه: أتدرون ما يقول هذا الطائر؟ إنه قال لي: السلام عليك أيها المسلك المسلط، والنبي لبني إسرائيل، أعطاك الله الكرامة، وأظهرك على عدوك، إني منطلق إلى أفراخي، ثم أمر بك الثانية، وإنه سيرجع إلينا الثانية، ثم رجع فقال لهم: يقول السلام عليك أيها الملك المسلط، إن شئت أن تأذن لي كيما أكتسب على أفراخي حتى يثبوا ثم آتيك، فافعل بي ما شئت، فأخبرهم سليمان بما قال، وأذن له فانطلق. ومر سليمان على بلبل فوق شجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه، فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول هذا البلبل؟ قالوا لا يا نبي الله، قال إنه يقول: أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء. ومر بهدهد فوق شجرة وقد نصب له صبي فخاً، فخاف، فقال له سليمان احذر، فقال الهدهد: يا نبي الله هذا صبي ولا عقل له فأنا أسخر به، ثم رجع سليمان فوجوده قد وقع في حبالة الصبي وهو في يده فقال له: ما هذا؟ قال ما رأيتها حتى وقعت بها يا نبي الله، قال: وحيك فأنت ترى الماء تحت الأرض، أما ترى الفخ؟ فقال يا نبي الله إذا نزل القضاء عمي البصر. وصاح ورشان عند سليمان بن داود فقال سليمان: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال: إنه يقول: لدوا للموت وابنوا للخراب. وصاحت فاختة فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا، قال إنها تقول: ليست الخلق لم يخلقوا، وليتهم إذ خلقوا علموا ما خلقوا له. وصاح عنده طاووس فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال: إنه يقول: كما تدين تدان. وصاح عنده هدهد فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال: إنه يقول: إن من لا يرحم لا يرحم. وصاح عنده صرد فقا: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال: إنه يقول: استغفروا الله يا مذنبون. فمن. ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله. وقيل: إن الصرد هو الذي دل آدم على مكان البيت، ولذلك يقال له الصرد الصرام، وصاحت عنده طيطرجى فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا، قال: إنها تقول: كل حي ميت، وكل جديد بال. وصاحت عنده خطافة فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا، قال: إنها تقول: قدموا خيراً تجدوه. فمن ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلها. وقيل: إن آدم خرج من الجنة فاشتكى إلى الله تعالى الوحشة، فآنسه الله بالخطاف وألزمها البيوت، فهي لا تفارق بني آدم أنساً لهم، قال: ومعها أربع آيات من كتاب الله﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ ﴾[الحشر: ٢١] إلى آخرها، وتمد صوتها بقوله:﴿ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾[الحشر: ٢٤].
وهدرت حمامة عند سليمان فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا، قال: إنها تقول: سبحان ربي الأعلى، عدد ما في السماوات والأرض. وصاح قمري عند سليمان فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال إنه يقول: سبحان ربي العظيم المهيمن. قال كعب: وحدثهم سليمان فقال: الغراب يقول: اللهم العن العشار، والحدأ يقول،: كل شيء هالك إلا وجهه، والقطاة تقول: من سكت سلم، والببغاء تقول: ويل لمن الدنيا همه، والضفدع تقول: سبحان ربي القدوس، والبازي يقول: سبحان ربي وبحمده، والسرطان يقول: سبحان المذكور بكل مكان، وصاح دراج عند سليمان فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال إنه يقول: الرحمن على العرش استوى. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" الديك إذا صاح قال: اذكروا الله يا غافلون ". وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" النسر إذا صاح قال: يا ابن آدم عش ما شئت فآخرك الموت، وإذا صاح العقاب قال: من البعد من الناس راحة. وإذا صاح القنبر قال: إلهي العن مبغض آل محمد. وإذا صاح الخطاف قال: ﴿ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ إلى آخرها فيقول ﴿ وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ ﴾ فيمد بها صوته كما يمد القارئ ". قوله: ﴿ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ ﴾ قال ذلك تحدثاً بنعمة الله، وشكراً على ما أعطاه.


الصفحة التالية
Icon