قوله: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ ﴾ شروع في القصة الرابعة من هذه السورة، وثمود اسم لقبيلة صالح سميت باسم أبي القبيلة، فهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث، وتسمى عاد الثانية، وأما عاد الأولى فهم قوم هود. قوله: ﴿ أَخَاهُمْ صَالِحاً ﴾ أي في النسب لأنه من أولاد ثمود الذي هو أبو القبيلة، وعاش صالح مائتين وثمانين سنة. قوله: (أي بأن) ﴿ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ ﴾ أشار بذلك إلى أن أن مصدرية، وحرف الجر محذوف، ويصح أن تكون مفسرة لوجود ضابطها، وهو تقدم جملة فيها القول دون حروفه. قوله: (وحدوه) أي اعتقدوا أنه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، لا شريك له في شيء منها. قوله: ﴿ فَإِذَا هُمْ ﴾ إذا فجائية، والمعنى فتفاجأ إرساله تفرقهم واختصامهم، فآمن فريق وكفر فريق، وتقدم حكاية اختصام الفريقين في سورة الأعراف في قوله تعالى:﴿ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ ﴾[الأعراف: ٧٥] الخ. قوله: (فريق مؤمنون) جمع وصف الفريق مراعاة لمعناه. قوله: (من حين إرساله) أي وبعد ظهور المعجزات. قوله: ﴿ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيِّئَةِ ﴾ أي لأي شيء تستعجلون بالعذاب وتطلبونه لأنفسكم ولا تطلبون الرحمة؟ ويصح أن يراد بالسيئة والحسنة أسباب العذاب وأسباب الرحمة، والمعنى لم تؤخرون الإيمان الذي هو سبب في الرحمة، وتقدمون الكفر الذي هو سبب العذاب؟ قوله: (هلا) أشار بذلك إلى أن لولا تحضيضية. قوله: (من الشرك) أي بأن تتركوا الشرك وتؤمنوا. قوله: ﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ الترجي في كلام الله بمنزلة التحقيق، لأنه صادر من قادر عالم بالعواقب لا يخلف وعده. قوله: (أدغمت التاء في الطاء) أي بعد قلبها طاء. قوله: (واجتلبت همزة الوصل)، أي للتوصل للنطق بالساكن. قوله: (أي تشاءمنا) أي أصابنا الشؤم وهو الضيق والشدة. قوله: (حيث قحطوا المطر) أي حبس عنهم. قوله: ﴿ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ أي جزاء عملكم من عند الله عاملكم به، فالشؤم وصفكم لا وصفي، وسمي طائراً لأنه يأتي الظالم بغتة وسرعة كنزول الطائر. قوله: ﴿ تُفْتَنُونَ ﴾ أتى بالخطاب مراعاة لتقدم الضمير وهو الراجح، ويجوز مراعاة الاسم الظاهر فيؤتى بالغيبة فيقال مثلاً: نحن قوم نقرأ ويقرأون. قوله: (تختبرون بالخير والشر) أي لتعلموا أن ما أصابكم من خير فمن الله، وما أصابكم من شر فبما كسبت أيديكم. قوله: (مدينة ثمود) أي وهو الحجر، وتقدم أنه واد بين الشام والمدينة. قوله: ﴿ تِسْعَةُ رَهْطٍ ﴾ الرهط ما دون العشرة من الرجال، والنفر ما دون السبعة إلى الثلاثة. قوله: (أي رجال) دفع بذلك ما يقال: إن تمييز التسعة جمع مجرور، فكيف يؤتى به مفرداً؟ فأجاب بأنه وإن كان مفرداً في اللفظ فهو جمع في المعنى، وهؤلاء التسعة هم الذين قتلوا أولادهم حين أخبرهم صالح أن مولوداً يولد في شهرهم هذا، يكون عقر الناقة على يديه، فقتل التسعة أولادهم وأبى العاشر أن يقتل ابنه، فعاش ذلك الولد ونبت نباتاً سريعاً، فكان إذا مر بالتسعة حزنوا على قتل أولادهم، فسول لهم الشيطان أن يجتمعوا في غار، فإذا جاء الليل خرجوا إلى صالح وقتلوه، وتقدم أنهم اجتمعوا في الغار، فأرادوا أن يخرجوا منه، فسقط عليم الغار فقتلهم، وعقر الناقة ولد العاشر وهو قدار بن سالف، وقيل إنهم جاءوا ليلاً لقتله شاهرين سيوفهم، فرمتهم الملائكة بالأحجار كما أفاده المفسر. قوله: (أي احلفوا) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ تَقَاسَمُواْ ﴾ فعل أمر، أي قال بعضهم لبعض: احلفوا على كذا. قوله: (بالنون) أي مع فتح التاء وقوله: (والتاء) كان المناسب أن يقول بالتاء، لأن ضم التاء لا يكون إلا على قراءة التاء، فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (أي من آمن به) أي وسيأتي أنهم أربعة آلاف. قوله: (بالنون) أي مع فتح اللام، وقوله: (والتاء) أي فقراءة النون هنا، مع قراءة النون في الذي قبله، وقراءة التاء مع التاء، فهما قراءتان فقط. قوله: (أي ولي دمه) أي دم من قتل صالح ومن معه. قوله: ﴿ مَهْلِكَ أَهْلِهِ ﴾ أي أهل ولي الدم الذي يقوم عند موت صالح وأقاربه المؤمنين به. قوله: (بضم الميم) أي مع فتح اللام، وقوله: (وفتحها) أي مع فتح اللام وكسرها، فالقراءات ثلاث سبعيات. قوله: (أي هلاكهم) راجع للضم لأنه من الرباعي. قوله: (وهلاكهم) راجع للفتح بوجهيه لأنه من الثلاثي. قوله: ﴿ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ أي ونحلف إنا لصادقون، أو المعنى والحال وإنا لصادقون فيما قلنا. قوله: ﴿ وَمَكَرُواْ مَكْراً ﴾ أي أرادوا إخفاء ما بيتوا عليه من قبل صالح وأهله. قوله: ﴿ وَمَكَرْنَا مَكْراً ﴾ أي أهلكناهم من حيث لا يشعرون، وهو من باب المشاكلة، نظير قوله الشاعر: قالوا اقترحوا شيئاً نجد لك طبخه قلت اطبخوا في جبة وقميصاوإلا فحقيقة المكر مستحيلة على الله تعالى، لأنه التحيل على الغدر، وهو من صفات العاجز، والعجز على الله محال. قوله: ﴿ فَٱنظُرْ ﴾ أي تأمل وتفكر. قوله: ﴿ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ ﴾ بكسر إن على الاستئناف، وفتحها على أنه خبر لمحذوف، أي وهي تدميرنا إياهم، والقراءتان سبعيتان. قوله: (أو برمي الملائكة) أو للتنويع، أي أن عذابه نوعان موزعان عليهم، رمي الحجارة على التسعة بسبب تبييتهم على قتل صالح وأهله، والصيحة على غيرهم بسبب عقر الناقة، ولو قال المفسر: أهلكناهم برمي الملائكة الحجارة وقومهم أجمعين بصيحة جبريل لكان أوضح.