قوله: ﴿ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ ﴾ الخ، المقصود من ذلك إقامة الحجة على من كذبه صلى الله عليه وسلم، يعني كيف تكذبونه بعد إتيانه بتفاصيل ما حصل للأمم السابقة وأنبيائهم؟ والحال أنكم تعلمون أنه لم يكن حاضراً ذلك ولا مشاهداً له. قوله: ﴿ وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ ﴾ إن قلت: إن هذا معلوم نفيه من قوله: ﴿ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ ﴾ فما ثمرة ذكره عقبه؟ أجيب بأنه لا يلزم من كونه هناك على فرض حصول مشاهدته لذلك، ولذلك قال ابن عباس: لم تحضر ذلك الموضع، ولو حضرته ما شاهدت ما وقع فيه. قوله: (بعد موسى) أي لأن أنبياء بني إسرائيل الذي يتعبدون بالتوراة كداود وسليمان وزكريا ويحيى وذا الكفل. كائنون بعد موسى. قوله: (واندرست العلوم) أي فكيف يأتيك الخبر من غير وحي. قوله: (وأوحينا إليك خبر موسى وغيره) أي ليكون معجزة لك وتذكيراً لقومك. قوله: ﴿ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً ﴾ إن قلت: إن قصة مدين متقدمة على قصة الإرسال، فكان مقتضى الترتيب ذكرها قبلها. أجيب: بأن المقصود تعداد العجائب من غير نظر للترتيب، إشارة إلى أن أي واحدة تكفي في إثبات صدقه فيما يخبر به عن ربه. قوله: (مقيماً) أي إقامة طويلة تشعر بمعرفتك قصتهم. قوله: ﴿ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ﴾ متعلق بثاوياً. قوله: ﴿ وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴾ أي أنزلنا عليك كتاباً فيه هذه الأخبار تتلوها عليهم، ولولا ذلك ما علمتها ولم تخبرهم بها. قوله: ﴿ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا ﴾ أي كما لم تحضر يا محمد جانب المكان الغربي، إذ أرسل الله موسى إلى فرعون، فكذلك لم تحضر جانب الطور، إذ نادينا موسى لما أتى الميقات مع السبعين لأخذ التوراة، وبين الإرسال وإيتاء التوراة نحو ثلاثين سنة، وهذا بالنظر للعالم الجسماني لإقامة الحجة على الخصم، وأما بالنظر للعالم الروحاني، فهو حاضر رسالة كل رسول، وما وقع له من لدن آدم إلى أن ظهر بجسمه الشريف، ولكن لا يخاطب به أهل العناد قوله: ﴿ مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ أي لوجودهم في فترة بينك وبين عيسى وهي ستمائة سنة.


الصفحة التالية
Icon