قوله: ﴿ وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ ﴾ الخ، وذلك أن المشركين كانوا يسبون مؤمني أهل الكتاب ويقولون: تبّاً لكم، أعرضتم عن دينكم وتركتموه، فيعرضون عنهم ويقولون ﴿ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾ قوله: (سلام متاركة) أي إعراض وفراق لا سلام تحية. قوله: (لا نصحبهم) الأوضح أن يقول: لا نطلب صحبتهم. قوله: (ونزل في حرصه) الخ، وذلك أنه لما احتضرته الوفاة، جاؤه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:" يا عم قل لا إله إلله، كلمة أحاج لك بها عند الله، فقال: يا ابن أخي، قد علمت أنك لصادق، ولكني أكره أن يقال جزع عن الموت، ولولا أن يكون عليك وعلى بني أبيك غضاضة بعدي لقلتها، ولأقررت بها عينك عند الفراق، لما أرى من شدة وجدك ونصيحتك، ثم أنشد: "ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينالولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبينا" ولكن سوف أموت على ملة الأشياخ: عبد المطلب وهاشم وبني عبد مناف ثم مات، فأتى علي ابنه للنبي صلى الله عليه وسلم وقال له: عمك الضال قد مات، فقال له: اذهب فواره "وما تقدم من أنه لم يؤمن حتى مات هو الصحيح، وقيل: إنه أحيي وأسلم ثم مات، ونقل هذا القول عن بعض الصوفية. قوله: ﴿ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ أي لا تقدر على هدايته. إن قلت: إن بين هذه الآية وآية﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾[الشورى: ٥٢] تناف. أجيب: بأن المنفي هنا خلق الاهتداء، والمثبت هناك الدلالة على الدين القويم. قوله: ﴿ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ ﴾ أي فسلم أمرك لله، فإنه أعلم بأهل السعادة وأهل الشقاوة، ولا يبالي بأحد. قوله: (أي قومه) أي وهم بعض أهل مكة، كالحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف، فإنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إنا نعلم أنك على الحق، ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب، أن يتخطفونا من أرضنا. قوله: ﴿ ٱلْهُدَىٰ ﴾ أي هو دين الإسلام. قوله: ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً ﴾ أي نجعل مكانهم حرماً ذا أمن، وعدي بنفسه لأنه بمعنى جعل، يدل عليه الآية الأخرى وهي:﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً ﴾[العنكبوت: ٦٧].
قوله: (يأمنون فيه) أشار بذلك إلى أن في الكلام مجازاً عقلياً. قوله: ﴿ يُجْبَىٰ ﴾ أي تحمل وتساق. قوله: (بالفوقانية والتحتانية) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ مجاز عن الكثرة كقوله:﴿ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾[النمل: ٢٣] قال بعض العارفين: من يتعلق ببيت الله الحرام ويسعى إليه، فهو من خيار الخلق، لقوله في الآية: ﴿ يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾.
قوله: (من كل أوب) أي ناحية وطريق وجهة. قوله: ﴿ رِّزْقاً ﴾ إما بمعنى مرزوقاً، فيكون منصوباً على الحال من ثمرات، أو باق على مصدريته، فيكون مفعولاً مطلقاً مؤكداً لمعنى يحبى، أي نرزقهم رزقاً. قوله: (أن ما نقوله حق) قدره إشارة إلى أن مفعول ﴿ يَعْلَمُونَ ﴾ محذوف.