قوله: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ رد بذلك على الكفار، وبيَّن لهم أن العبارة بالعكس، وأن خوف التخطف يكون بالكفر لا بالإيمان، وأنهم ما داموا مصرين على كفرهم، يحل بهم وبال بطرهم كما حصل لمن قبلهم. قوله: ﴿ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ﴾ أي كفرت نعمة ربها في زمن معيشتها أي حياتها. قوله: ﴿ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ ﴾ أي خربة بسبب ظلمهم، والإشارة إلى قوم لوط وصالح وشعيب وهود، فإن السفار تمر على تلك المساكن، وتنزل بها في بعض الأوقات. قوله: (للمارة يوماً أو بعضه) أي لأن المار في الطريق، إذا نزل للاستراحة، إنما يستمر في الغالب يوماً أو بعضه. قوله: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ ﴾ الخ، بيان للحكمة الإلهية التي سبقت بها مشيئته تعالى، والمعنى ما ثبت في حكمه أن يهلك قرية قبل الإنذار. قوله: (أي أعظمها) أي وهي المدن بالنسبة لما حواليها، فجرت عادة الله أن يبعث الرسول من أهل المدائن، لأنهم أعقل وأفطن، ويتبعهم غيرهم، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم مبعوثاً لجميع الخلق، كانت بلده أفضل البلاد على الإطلاق، وقبيلته أشرف القبائل على الإطلاق. قوله: ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ﴾ أي لقطع الحجج والمعاذير. قوله: ﴿ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾ استثناء من عموم الأحوال، كأنه قال: ما كنا نهلكهم في حال من الأحوال، إلا في حال كونهم ظالمين. قوله: ﴿ وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ ﴾ الخ ﴿ مَآ ﴾ اسم موصول مبتدأ، و ﴿ أُوتِيتُم ﴾ صلته، و ﴿ مِّن شَيْءٍ ﴾ بيان لما، وقوله: ﴿ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾ خبره، وقرن بالفاء لما في المبتدإ من معنى العموم، ويصح أن تكون ﴿ مَآ ﴾ شرطية، وقوله: ﴿ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾ خبرنا مبتدأ محذوف، والجملة جواب الشرط. قوله: (ثم يفنى) أي يذهب بفنائكم، فجميع ما في الدنيا عرض زائل، يذهب بذهاب أهله، ولا يبقى إلا جزاؤه، فحلال الدنيا حساب، وحرامها عقاب. قوله: (وهو ثوابه) أي ثواب الأعمال التي قصد بها وجهه سبحانه وتعالى. قوله: ﴿ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴾ أي دائم بدوام الله. قوله: ﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ الهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير أتركتم التدبر في أحوالكم فلا تعقلون، فمن آثر الفاني على الباقي، فلا عقل عنده، لما في الحديث:" الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا ما له، ولها يجمع من لا عقل له "ولله در الشافعي حيث قال: إن لِلَّهِ عباداً فطنا   طلقوا الدنيا وخافوا الفتنانظروا فيها فلما علموا   أنها ليست لحي وطناجعلوها لجة واتخذوا   صالح الأعمال فيها سفناوليس المراد من ذلك ترك الدنيا رأساً والخروج عنها بالمرة، بل المراد لا يجعلها أكبر همه ولا مبلغ علمه، وإنما يطلب الدنيا ليستعين بها على خدمة ربه، لتكون مزرعة لآخرته، لما في الحديث:" نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح "فالمضر شغل القلب والنية السوء. قوله: (بالتاء والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (أن الباقي خير من الفاني) قدره إشارة إلى أن مفعول يفعلون محذوف، وأستفيد منه أن عقل الناس المشتغلون بطاعة الله، الذين اختاروا الباقي على الفاني، ومن هنا قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: من أوصى بثلث ماله لا عْقَلُ الناس، صرف إلى المشتغلين بطاعة الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon