قوله: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ الخ، إما حال من الناس، وحينئذ فالمعنى أحسبوا ذلك، والحال أنهم علموا أن ذلك ليس سنة الله﴿ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً ﴾[الأحزاب: ٦٢] أو من فاعل يفتنون، والمعنى أحسنوا أن لا يكونوا كغيرهم، ولا يسلكوا بهم مسالك الأمم السابقة، روى البخاري عن خباب بن الأرت قال:" شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقال: ألا تستنصر، ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل يحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصرفه ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم كنتم تستعجلون ". قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ ﴾ الخ، عبر في جانب الصدق بالفعل الماضي، وفي جانب الكذب باسم الفاعل، إشارة إلى أن الكاذبين وصفهم مستمر، لم يظهر منهم إلا ما كان مخبأ، وأما الصادقون فقد زال وصف الكذب عنهم، وتجدد لهم الصدق، فناسبه التعبير بالفعل. قوله: (علم مشاهدة) جواب عما يقال: إن علم الله لا تجدد فيه، والجواب أن المراد ليظهر متعلق علم الله للناس ببيان الصادق من الكتاب. قوله: ﴿ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ﴾ الخ، انتقال من توبيخ إلى توبيخ، فالأول توبيخ للناس على ظنهم بلوغ الدرجات بمجرد الإيمان، من غير مشقة ولا تعب، والثاني أشد منه، وهو توبيخهم على ظنه أنهم يفوتون عذاب الله ويفرون منه، مع دوامهم على الكفر. قوله: (الذي) (يَحْكُمُونَـ) (ـه) الخ، أشار بذلك إلى أن ﴿ مَا ﴾ اسم موصول فاعل ﴿ سَآءَ ﴾ و ﴿ يَحْكُمُونَ ﴾ صلته، والعائد محذوف، بالذم محذوف قدره بقوله: (حكمهم) وهذا يصح أن تكون ﴿ مَا ﴾ مميزاً، والفاعل ضمير مفسر بما قال ابن مالك: وما مميز وقيل فاعل   في نحو نعم ما يقول الفاضل


الصفحة التالية
Icon