قوله: ﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ﴾ يحتمل أن الجار والمجرور خبر مقدم، ومن اسم موصول أو نكرة موصوفة مبتدأ مؤخرة، وجملة يقول إما صلة أو صفة، والمعنى الذي يقول أو فريق يقول ما ذكر كائن من الناس ورد ذلك بأنه لا فائدة في ذلك الاخبار، والحق أن يقال إن من اسم بمعنى بعض مبتدأ أو جربها لأنها على صورة الحرف أو صفة لمحذوف بمبتدأ تقديره فريق من الناس، وخبره قوله (من يقول) الخ وعهده جعل الظرف مبتدأ حيث كان تمام الفائدة بما بعده كقوله تعالى:﴿ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ ﴾[الجن: ١١] وقوله تعالى﴿ وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ ﴾[التوبة: ٦١]، وأصل ناس أناس أتى بأل بدل الهمزة مشتق من التأنس لتأنس بعضهم ببعض، وتسمية الانس به حقيقة، والجن مجاز وقيل مشتق من ناس إذا تحرك، وعليه فتسمية الجن به حقيقة أيضاً والحق الأول، ولذا قيل لم يوجد منافق أو مشرك إلا في بني آدم فقط وكفر الجن بغير الإشراك والنفاق وهو جمع إنسان أو إنسي، والمراد من المنافقين هنا بعض سكان البوادي بعض أهل المدينة في زمنه صلى الله عليه وسلم وخير ما فسرته بالوارد، قال تعالى:﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ ﴾[التوبة: ١٠١] الآية. قوله: ﴿ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ﴾ أعاد الجار لإفادة تأكد دعواهم الإيمان بكل ما جاء به رسول الله، فرد عليهم المولى بأبلغ رد بقوله: ﴿ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴾ حيث أتى بالجملة الاسمية وزاد الجار في الخبر. قوله: (لأنه آخر الآيام) علة لتسميته اليوم الآخر، والمراد بالأيام الأوقات، وهل المراد الأوقات المحدودة وهو بناء على أن أوله النفخة وآخره الاستقرار في الدارين أو الأوقات الغير المحدودة بناء على أنه لا نهاية له، وقوله: ﴿ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴾ جملة اسمية تفيد الدوام والاستمرار، أي لم يتصفوا بالإيمان في حال من الأحوال، لا في الماضي ولا في الحال ولا في الاستقبال. قوله: ﴿ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ ﴾ هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره ما الحامل لهم على إظهار الإيمان وإخفاء الكفرة، وحقيقة المخادعة أن يظهر لصاحبه أنه موافق ومساعد له على مراده، والواقع أنه ساع في إبطال مراده، فاظهار خلاف ما يبطن إن كان في الدين سمي نفاقاً وخديعة ومكراً، وإن كان في الدنيا بأن يصانع أهل الدنيا لأجل حماية الدين ووقايته تسمى مداراة وهي ممدوحة. قوله: (من الكفر) بيان لما أبطنوه. وقوله: (ليدفعوا) علة للإظهار. قوله (أحكامه) أي الكفر. وقوله: (الدنيوية) أي الكائنة في الدنيا وذلك كالقتل والسبي والجزية والذل، ولو قصدوا دفع أحكامه الأخروية من الخلود في النار وغضب الجبار لأخلصوا في إيمانهم. قوله: (لأن وبال خداعهم) أي عذابه وعاقبه أمره. قوله: (راجع إليهم) قال تعالى:﴿ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ ﴾[فاطر: ٤٣].
قوله: (فيفتضحون) تفريع على قوله: (لأن وبال خداعهم الخ). قوله: (بإطلاع الله نبيه) أي وأمره بإخراجهم من المسجد ونزل فيهم: (وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم) الآيات. قوله: (ويعاقبون في الآخرة) أي بالعذاب الدائم المؤبد في الدرك الأسفل. قوله: (يعلمون) سمى العلم شعوراً لأنه يكون بأحد المشاعر الخمس وهي: الشم والذوق واللمس والسمع والبصر. قوله: (والمخادعة هنا من واحد) أي فليست على بابها وهو جواب عن سؤال تقديره إن المفاعلة تكون من الجانبين، وفعل الله لا يقال فيه مخادعة، فأجاب بما ذكر، وقد ورد سؤال آخر حاصله أن الخداع لا يكون إلا لمن تخفى عليه الأمور، فما معنى إسناد المخادعة إلى الله أجيب بأن في الكلام استعارة تمثيلية، حيث شبه حالهم مع ربهم في إيمانهم ظاهراً لا باطناً بحال رعية تخادع سلطانها واستعير اسم المشبه به للمشبه، أو مجاز عقلي، أي يخادعون رسول الله من اسناد الشيء إلى غير من هو له أو مجاز بالحذف، أو في الكلام تورية وهي أن يكون للكلام معنى قريب وبعيد، فيطلق القريب ويراد البعيد وهو مطلق الخروج عن الطاعة باطناً، وإن كان العامل لا تخفى عليه خافية، وأشار المفسر لذلك كله بقوله (وذكر الله فيها تحسين) أي يذكر المجاز لأنه أبلغ من الحقيقة.