قوله: ﴿ ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ ﴾ أي ما أوحاه الله أليك بنزول جبريل، والمعنى تقرب إلى الله بتلاوته وترداده أنت وأمتك، لأن فيه محاسن الآداب ومكارم الأخلاق. قوله: ﴿ مِنَ ٱلْكِتَابِ ﴾ بيان لما. قوله: ﴿ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ ﴾ أي دم على إقامتها، بأركانها وشروطها وآدابها، فإنها عماد الدين، من أقامها أقام الدين، ومن هدمها هدم الدين، والخطاب للنبي والمراد هو وأمته، بدليل مدحهم في آية:﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ﴾[فاطر: ٢٩] الآية. قوله: ﴿ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ ﴾ أي المواظبة عليها، تكون سبباً في تطهيره عن الفحشاء والمنكر، إذا استوفيت شروطها وآدابها، لأن الواجب حين الاقبال على الصلاة، التطهير من الحدث الحسي والمعنوي وتجديد التوبة، فإذا وقف بين يدي الله، وخشع وتذكر أنه واقف بين يدي مولاه، وأنه مطلع عليه يراه، فحيئنذ يظهر على جوارحه هيئتها، وقوله: (ما دام المرء فيها) هذا أحد قولين، والقول الصحيح أنها تنهى عنها في سائر الأوقات، لما روي" أن فتى من الأنصار كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لا يدع شيئاً من الفواحش إلا ارتكبه، فوصف للنبي صلى الله عليه وسلم حاله فقال: إن صلاته ستنهاه، فلم يلبث أن تاب وحسن حاله ". وروي عن بعض السلف، أنه كان إذا قام إلى الصلاة ارتعد واصفر لونه، فكلم في ذلك فقال: إني واقف بين يدي الله تعالى، وحق لي هذا مع ملوك الدنيا، فكيف مع ملك الملوك، وأما من صلاته بخلاف ذلك، بأن كانت لا خشوع فيها ولا تذكر، فإنها لا تكون سبباً في نيهه عن الفحشاء والمنكر، بل يستمر على ما هو عليه من البعد، لما ورد:" من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم تزده من الله إلا بعداً ". قوله: ﴿ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ ﴾ بسائر أنواعه أكبر، أي أفضل الطاعات على الإطلاق، لما روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله ". وروي" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: الذاكرون الله كثيراً، قالوا: يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله؟ فقال: لو ضرب بسيفه الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دماً لكان الذاكرون الله كثيراً أفضل منه درجة "فالذكر أفضل الأعمال، وهو المقصود من تلاوة القرآن ومن الصلاة، ولذا ورد عن الجنيد أنه كان يأيته العصاة يريدون التوبة على يديه، فيلقنهم الذكر ويأمرهم بالإكثار منه فتنور قلوبهم. قوله: ﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ أي من خير وشر فيجازيكم. عليه. قوله: ﴿ وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ أي لا تدعوهم إلى دين الله إلا بالكلام اللين المعروف والإحسان لعلهم يهتدون، وقوله: ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ أي فادعوهم إلى دين الله بالإغلاظ والشدة، وقاتلوا حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فهذه الآية بمعنى قوله تعالى:﴿ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ﴾[التوبة: ٢٩] الآية، وعلى هذا التقدير فالآية محكمة وهو التحقيق. قوله: (بأن حاربوا) الخ، أشار بذلك إلى أن المراد بالظلم الامتناع مما يلزمهم شرعاً فلا يقال إن الكل ظالمون لأنهم كفار. قوله: (أو يعطوا الجزية) أي يلزموا بإعطائها. قوله: ﴿ وَقُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ ﴾ أي لما روي أنه كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ﴿ وَقُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ ﴾ الآية "وفي رواية:" وقولوا آمنا بالله وبكتبه وبرسله فإذا قالوا باطلاً لم تصدقوهم وإن قالوا حقاً لم تكذبوهم ". ومحل ذلك ما لم يتعرضوا لأمور توجب نقض عهدهم، كأن يظهروا أن شرعهم غير منسوخ، وأن نبينا غير صادق فيما جاء به، وغير ذلك، فحينئذ نقاتلهم، ومحله أيضاً ما لم يخبرونا بخبر موافق لما في كتابنا، وإلا فيجب تصديقهم من حيث إن الله أخبرنا به. قوله: ﴿ فَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ ﴾ أي نفعناهم به، بأن أعطيناهم نوره، وظهرت ثمرته عليهم، وهم الذين يؤمنون به، وإلا فجميع علمائهم أوتوا الكتاب، ولم يسلم منهم إلا القليل، ويصح أن يكون المراد: (ففريق من أهل الكتاب) الخ. قوله: ﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ ﴾ أي ينكرها بعد معرفتها. قوله: (أي اليهود) لا مفهوم له بل النصارى والمشركون، كذلك فالمناسب أن يقول: إلا الكافرون كاليهود.


الصفحة التالية
Icon