قوله: ﴿ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ﴾ ﴿ ٱلرُّومُ ﴾ اسم قبيلة سميت باسم جدها، وهو روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم، وسمي عيصو لأنه كان مع يعقوب في بطن، فعند خروجهما تزاحما، وأراد كل منهما أن يخرج قبل الآخر، فقال عيصو ليعقوب: إن لم أخرج قبلك، وإلا خرجت من جنبها، فتأخر يعقوب شفقة منه، فلهذا كان أبا الأنبياء، وعيصو أبا الجبارين، وسبب نزول هذه الآية،" أنه كان بين فارس والروم قتال، وكان المشركون يودون أن تغلب فارس الروم، لأن فارس كانوا مجوساً أميين، والمسلمون يودون غلبة الروم على فارس لكونهم أهل كتاب، فبعث كسرى جيشاً إلى الروم، واستعمل عليهم رجلاً يقال له شهر يزان، وبعث قيصر جيشاً، وأمر عليهم رجلاً يدعى بخنس، فالتقيا بأذرعات وبصرى، وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم، فغلبت فارس الروم، فبلغ ذلك المسلمين بمكة، فشق عليهم، وفرح به كفار مكة وقالوا للمسلمين: إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون، وفارس أميون، وقد ظهر اخواننا من أهل فارس على اخوانكم من الروم، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم، فأنزل الله هذه الآيات، فخرج أبو بكر الصديق إلى كفار مكة فقال: فرحتم بظهور إخوانكم فلا تفرحوا، فوالله لتظهرن الروم على فارس، أخبرنا بذلك نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام إ ليه أبي بن خلف الجمحي، وقال: كذبت، فقال له الصديق: أنت أكذب يا عدو الله، فقال: اجعل أجلاً أناحبك، أي أقامرك وأراهنك عليه، فراهنه على عشر قلائص منه، وعشر قلائص من الآخر فقال أبي: إن ظهرت الروم على فارس غرمت ذلك، وإن ظهرت فارس على الروم غرمت لي، ففعلوا، وجعلوا الأجل ثلاث سنين، فجاء أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، وكان ذلك قبل تحريم القمار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايده في الخطر، ومادده في الأجل، فخرج أبو بكر فلقي أبياً فقال: لعلك ندمت؟ فقال: لا، قال: فتعال أزايدك في الخطر، وأماددك في الأجل، فأجعلها مائة قلوص، ومائة قلوص إلى تسع سنين، وقيل إلى سبع سنين، فقال: قد علمت فلما خشي أبي بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة، أتاه ولزمه وقال: إني أخاف أن تخرج من مكة فأقم لي كفيلاً، فكفله ابنه عبد الله بن أبي بكر، فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد، أتاه عبد الله بن أبي بكر فلزمه وقال: لا والله، لا ادعك حتى تعطيني كفيلاً، فأعطاه كفيلاً ثم خرج إلى أحد، ثم رجع أبي بن خلف إلى مكة ومات بها من جراحته التي جرحه النبي صلى الله عليه وسلم إياها حين بارزه، وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية، وذلك على رأس سبع سنين من مناحبتهم، وقيل يوم بدر، وربطت الروم خيلوهم بالمدائن، وبنوا بالعراق مدينة وسموها رومية، فأخذ أبو بكر مال الخطر من ورثته وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك قبل أن يحرم القمار، فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: تصدق به ". قوله: (وهم من أهل الكتاب) أي نصارى، فنصرتهم علامة على نصرة النبي وأصحابه، وقوله: (وليسوا أهل كتاب) أي بل هم مجوس، فنصرتهم علامة على نصر كفار مكة، فكل حزب بما لديهم فرحون. قوله: (بل يعبدون الأوثان) أي التي من جملتها النار. قوله: (وقالوا للمسلمين) الخ، هذا هو حكمة ذكر تلك الواقعة. قوله: (أقرب أرض الروم) أي فأدنى أفعل تفضيل، وأل عوض عن المضاف اليه. قوله: (بالجزيرة) المراد بها ما بين دجلة والفرات، وليس المراد بها جزيرة العرب. قوله: ﴿ وَهُم ﴾ مبتدأ، وجملة ﴿ سَيَغْلِبُونَ ﴾ خبره. قوله: ﴿ فِي بِضْعِ سِنِينَ ﴾ متعلق بيغلبون وهو على حذف مضاف، أي في انتهاء بضع سنين، وأبهم البضع لأدخال الرعب والخوف عليهم في كل وقت. قوله: (فالتقى الجيشان في السنة السابعة من الالتقاء الأول) أي يوم بدر، وإن كانت الواقعة الأولى قبل الهجرة بخمس سنين، أو يوم الحديبية إن كانت الأولى قبل الهجرة بسنة، والمراد بالجيشين جيش كسرى وجيش قيصر ملك الروم، فأقبل في خمسمائة ألف رومي إلى الفرس وغلبوهم، ومات كسرى ملك الفرس. قوله: ﴿ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ ﴾ أي لا لغيره. قوله: ﴿ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ﴾ القراءة المشهورة ببناء ﴿ قَبْلُ ﴾ و ﴿ بَعْدُ ﴾ على الضم لحذف المضاف إليه ونية معناه. قوله: (أي من قبل غلب الروم) أي من قبل كونهم غالبين، وقوله: (ومن بعده) أي من بعد كونهم مغلوبين. قوله: (المعنى أن غلبة فارس) الخ، جواب عما يقال: ما فائدة قوله: ﴿ غَلَبِهِمْ ﴾ بعد قوله: ﴿ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ﴾؟ وحاصل الجواب: أن فائدته إظهار أن ذلك بأمر الله، لأن شأن من غلب بعد كونه مغلوباً أن يكون ضعيفاً، فلو كانت الغلبة بحولهم وقوتهم لما غلبوا أولاً. قوله: (أي يوم تغلب الروم) أشار بذلك إلى أن تنوين ﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ عوض عن الجملة. قوله: ﴿ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ ٱللَّهِ ﴾ أي فاستبشر المؤمنون بنصر الروم على فارس؛ وعلموا أن الغلبة لهم على كفار مكة. قوله: (يوم بدر) هذا أحد قولين، وهو مبني على أن الواقعة الأولى كانت قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل يوم الحديبية، بناء على أن الأولى قبل الهجرة بسنة. قوله: (مصدر) أي مؤكد لمضمون الجملة التي تقدمت، وعامله محذوف أي وعدهم الله وعداً. قوله: (به) أي النصر. قوله: ﴿ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ أي لجهلهم وعدم تفكرهم واعتبارهم. قوله: ﴿ يَعْلَمُونَ ﴾ أي الأكثر. قوله: ﴿ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾ أي وإما باطناً منها، وهو كونها مجازاً إلى الآخر، يتزود فيها الأعمال الصالحة فليس لهم به علم. قوله: (إعادة) أي لفظ (هم).


الصفحة التالية
Icon