قوله: ﴿ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ ﴾ أسند التجافي للجنوب، لأن الواعظ الذي يكون سبباً في القيام للصلاة ونحوها من جهة الجنوب وهو القلب، فالإنسان إذا كان مشغولاً بربه، سلط عليه واعظ في قلبه يقلقه، فيكون قليل النوم والهجوع، قال تعالى:﴿ كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾[الذاريات: ١٧] فإذا اضطجع قصد بذلك التقوى على القيام والخدمة، وبالجملة فتكون جميع أفعاله دائرة بين الواجب والمندوب. قوله: (لصلاتهم بالليل) أي لما فيها من نور القلب ورضا الرب، لما في الحديث:" ما زال جبريل يوصيني بقيام الليل، حتى علمت أن خيار أمتي لا ينامون "قوله: ﴿ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ ﴾ أي لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، فضلاً عن غيرهم. والمعنى لا تعلم ذلك تفصيلاً، وإلا فنحن نعلمه إجمالاً، كالأشجار والأنهار والغرف والحور والولدان وغير ذلك، لأن عطاء الجنة لا تحيط به العقول، ففي الحديث:" لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها "قوله: ﴿ مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ أي سرورها وفرحها، فلا يلتفتون لغيره. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (مضارع) أي والفاعل مستتر تقديره أنا، ففي الحديث:" أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر "قوله: ﴿ جَزَآءً ﴾ مفعول مطلق أو مفعول لأجله. قوله: ﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً ﴾ إلخ، سبب نزولها، أنه كان بن أبي طالب وعقبة بن أبي معيط تنازع، فقال الوليد بن عقبة لعلي: اسكت فإنك صبي، وأنا والله أبسط منك لساناً، وأشجع منك جناناً، وأملأ منك حشواً في الكتيبة، فقال علي: اسكت فإنك فاسق. وهذه الآية بمعنى قوله تعالى:﴿ أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ ﴾[القلم: ٣٥]﴿ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾[الجاثية: ٢١].
قوله: ﴿ كَمَن كَانَ فَاسِقاً ﴾ أي كافراً. قوله: ﴿ لاَّ يَسْتَوُونَ ﴾ أي في المآل، وقد راعى المعنى فجمع، لأن المراد الفريق في كل، وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتمد الوقف على قوله: ﴿ فَاسِقاً ﴾ ويبتدئ بقوله: ﴿ لاَّ يَسْتَوُونَ ﴾.
قوله: ﴿ أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ تفصيل لما أجمل أولاً. قوله: ﴿ نُزُلاً ﴾ أي مهيأة ومعدة لإكرامهم، كما تهيأ التحف للضيف النازل بالكرام. قوله: ﴿ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ أي بسبب كونهم يعملون الصالحات.