قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ ﴾ اختلف المفسرون في هذا التخيير، هل كان تفويضاً في الطلاق إليهن، فيقع بنفس الاختيار؟ أم لا؟ فذهل الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم، إلى أنه لم يكن تفويضاً في الطلاق، وإنما خيرهن على أنهن إن اخترن الدنيا فارقهن، لقوله تعالى: ﴿ فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ ﴾ وذهب قوم إلى أنه كان تفويضاً، وأنهن لو اخترن الدنيا لكان طلاقاً، فلا يحتاج لإنشاء صيغة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (وهن تسع) أي وهن اللاتي مات عنهن، وقد جمعهن بعض العلماء بقوله: نوفي رسول الله عن تسع نسوة إليهن تعزى المكرمات وتنسبفعائشة ميمونة وصفية وحفصة تتلوهن هند وزينبجويرية مع رملة ثم سودة ثلاث وست نظمهن مهذبفعائشة هي بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وميمونة بنت الحرث الهلالية، وصفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير، وهند هي أم سلمة بنت أمية، وزينت بنت جحش، وجويرية بنت الحرث الخزاعية المصطلقية، ورملة هي أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرث، وسودة هي بنت زمعة. قوله: ﴿ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا ﴾ أي التنعم فيها. قوله: ﴿ وَزِينَتَهَا ﴾ أي زخارفها، روي أن أبا بكر جاء ليستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد الناس جلوساً ببابه لم يؤذن لأحد منهم، قال: فأُذن لأبي بكر فدخل، ثم جاء عمر فاستأذن فأذن له فدخل فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالساً واجماً ساكتاً وحوله نساؤه، قال عمر: فقلت: والله لأقولن شيئاً أضحك به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت " يا رسول الله، لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة، فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هن حولي كما ترى يسألنني النفقة، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله ما ليس عنده، فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أبداً ما ليس عنده، ثم اعتزلهن شهراً، ثم نزلت هذه الآية ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ ﴾ حتى بلغ ﴿ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً ﴾ قال: فبدأ بعائشة فقال: يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمراً، أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك، قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية، قالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي، بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وكلهن قلن كما قالت عائشة: فشكر لهن ذلك، فأنزل الله﴿ لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ ﴾[الأحزاب: ٥٢] ثم رفع ذلك الحرج بقوله تعالى:﴿ مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُ ﴾[الأحزاب: ٣٨] وبقوله:﴿ تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ ﴾[الأحزاب: ٥١].
قوله: ﴿ فَتَعَالَيْنَ ﴾ فعل أمر مبني على السكون، ونون النسوة فاعل. قوله: ﴿ أُمَتِّعْكُنَّ ﴾ جواب الشرط وما بينهما اعتراض، ويصح أن يكون مجزوماً في جواب الأمر، والجواب ﴿ فَتَعَالَيْنَ ﴾ قوله: (أطلقن من غير ضرار) أي من غير تعب ومشقة. قوله: (فاخترن الآخرة على الدنيا) أي ودمن على ذلك، فكن زاهدات في الدنيا، حتى ورد أن عائشة دخل عليها ثمانون ألف درهم من بيت المال، فأمرت جاريتها بتفرقتها ففرقتها في مجلس واحد، فلما فرغت طلبت عائشة منها شيئاً تفطر به وكانت صائمة، فلم تجد منها شيئاً.