قوله: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ ﴾ أي لا ينبغي ولا يصلح ولا يليق، وهذا اللفظ يستعمل تارة في الحظر والمنع كما هنا، وتارة في الامتناع عقلاً كما في قوله تعالى:﴿ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا ﴾[النمل: ٦٠] وتارة في الامتناع شرعاً كقوله تعالى:﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً ﴾[الشورى: ٥١].
قوله: ﴿ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً ﴾ ذكر اسم الله للتعظيم، وإشارة إلى أن قضاء رسول الله هو قضاء الله، لكونه لا ينطق عن الهوى، وإذا يصح أن تكون ظرفاً معمولاً لما تعلق به خبر كان، والتقدير وما كان مستقراً لمؤمن ولا مؤمنة وقت قضاء الله ورسوله أمراً كون الخيرة لهم، ويصح أن تكون شرطية، وجوابها محذوف دل عليه ما قبله. قوله: ﴿ أَن يَكُونَ ﴾ اسم كان مؤخر، والجار والمجرور خبر مقدم. قوله: (بالتاء والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان، فالتاء ظاهرة والياء نظراً إلى الخيرة مجازي التأنيث، أو للفصل بين العامل والمعمول. قوله: ﴿ ٱلْخِيَرَةُ ﴾ بفتح الياء وقرئ شذوذاً بإسكانها، ومعناهما واحد وهو الاختيار. قوله: (أي الاختيار) أشار بذلك إلى أن الخيرة مصدر. قوله: ﴿ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ حال من الخيرة. قوله: (وأخته زينب) أي بنت جحش، وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (خطبها النبي وعنى لزيد) أي بعد أن كان زوجه أولاً أم أيمن بركة الحبشية بنت ثعلبة بن حصن، كان لعبد الله أبي النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها، وقيل أعتقها النبي صلى الله عليه وسلم، وعاشت بعده صلى الله عليه وسلم خمسة أشهر وقيل سنة، وولدت لزيد أسامة، وكانت ولادته بعد البعثة بثلاث سنين وقيل بخمس. قوله: (فكرها ذلك) أي كون الخطبة لزيد، وقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا بنت عمتك، فلا أرضاه لنفسي، وكانت بيضاء جميلة، وزيد أسود. قوله: (ثم رضيا للآية) أي حين نزلت الآية توبيخاً لهما. قوله: ﴿ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ إلخ، هذا من تمام ما نزل في شأنهما، فكان المناسب للمفسر تأخير ذكر سبب النزول عن هذه الآية. قوله: ﴿ فَقَدْ ضَلَّ ﴾ أي أخطأ طريق الصواب. قوله: (فزوجها النبي لزيد) أي وأعطاها رسول الله عشرة دنانير وستين درهماً وخماراً ودرعاً وملحفة وخمسين مداً من طعام وثلاثين صاعاً من تمر. قوله: (ثم وقع بصره عليها) هذا بناء على أن معنى قوله تعالى: ﴿ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ ﴾ هو حبها الذي درج عليه المفسر تبعاً لغيره، وهذا التفسير غير لائق بمنصب النبوة لا سيما بجنابه الشريف، وأيضاً يبعد أن النبي يخفى عليه حالها، مع كونها بنت عمته وفي حجره. قوله: (فقال: ﴿ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ﴾ أي لا تفارقها. قوله: (منصوب باذكر) أي فهو معمول لمحذوف. قوله: (اشتراه رسول الله) فيه تسمح، بل الذي في السير، أن خديجة اشترته بأربعمائة درهم، ثم وهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الشراء صوري، وإلا فهو كان حراً، لأنه لم يكن الرق بالسبي مشروعاً، لكونهم أهل فترة، وهم ناجون ليس فيهم حربي، والعلماء عرفوا الرق بأنه عجز حكمي سببه الكفر، روي أن عمه لقيه يوماً بمكة، فعرفه وضمه إلى صدره وقال له: لمن أنت؟ قال: لمحمد بن عبد الله، فأتوه وقالوا: هذا ابننا فرده علينا، فقال اعرضوا عليه، فإن اختاركم فخذوه، فبعث إلى زيد وخيره فقال: يا رسول الله ما أختار عليك أحداً، فجذبه عمه وقال: يا زيد اخترت العبودية على أبيك وعمك؟ قال: نعم هي أحب تقدم أنه تنزه عنه رسول الله، والصواب أن يقول: إن الذي أخفاه في نفسه، هو ما أخبره الله به، من أنها ستصير إحدى زوجاته بعد طلاق زيد لها، لما روي عن علي بن الحسين رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله إليه أن زيداً يطلق زينب، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها، فلما شكى للنبي خلق زينب وأنها لا تطيعه، وأعلمه بأنها تريد طلاقها، قال له رسول الله على جهة الأدب والوصية: اتق الله في قولك وأمسك عليك زوجك، وهذا هو الذي أخفى في نفسه، وخشي رسول أن يلحقه قول الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد وهو متبنيه، فعاتبه الله على الكتم لأجل هذا العذر، والحكمة في تزوج رسول الله بزينب، إبطال حكم التبني، والتفرقة بين ولد الصلب وولد التبني، من حيث إن ولد الصلب يحرم التزوج بزوجته، وولد التبني لا يحرم. قوله: (وتزوجها) هكذا في بعض النسخ بصيغة الأمر، وفي نسخة ويزوجكها فعل مضارع. قوله: ﴿ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً ﴾ أي بأن لم يبق له فيها إرب وطلقها وانقضت عدتها، وفي ذكر اسمع صريحاً دون غيره من الصحابة جبر وتأنيس له، وعوض من الفخر بأبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فكان اسمه قرآناً يتلى في الدنيا والآخرة على ألسنة البشر والملائكة، وزاد في الآية أن قال: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ ﴾ أي بالإيمان، فدل على أنه من أهل الجنة، فعلم ذلك قبل موته، فهذ فضيلة أخرى. قوله: (فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم بغير إذن) أي ولا عقد ولا صداق، وهذا من خصوصياته التي لم يشاركه فيها أحد بالإجماع، وكان تزوجه بها سنة خمس من الهجرة، وقيل سنة ثلاث، وهي أول من مات بعده من زوجاته، ماتت بعده بعشر سنين، ولها من العمر ثلاث وخمسون سنة، وكانت تفتخر على أزواج النبي وتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات، وكانت تقول للنبي: جدي وجدك واحد، وليس من نسائك من هي كذلك غيري، وقد أنكحنيك الله، والسفير في ذلك جبريل. قوله: (وأشبع المسلمين خبزاً ولحماً) أي فذبح شاة وأطعم الناس خبزاً ولحماً حتى تركوه، ولم يولم النبي على أحد من نسائه، كما أولم على زينب. قوله: ﴿ لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ ﴾ إلخ، أي فهو دليل على أن هذا الأمر ليس مخصوصاً صلى الله عليه وسلم. قوله: ﴿ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً ﴾ أي موجوداً لا محالة. قوله: ﴿ مِنْ حَرَجٍ ﴾ أي إثم. قوله: (فنصب بنزع الخافض) ويصح نصبه على المصدرية، وفي هذه الآية رد على اليهود حيث عابوا على النبي صلى الله عليه وسلم كثرة النساء. قوله: (توسعة لهم في النكاح) أي فقد كان لداود مائة امرأة، ولسليمان ولده سبعمائة امرأة وثلاثين سرية. قوله: ﴿ قَدَراً مَّقْدُوراً ﴾ هو من التأكيد كظل ظليل وليل أليل. قوله: ﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ﴾ أي أبوة حقيقية، فلا ينافي أن أبوهم من حيث إنه شفيق عليهم وناصح لهم، يجب عليهم تعظيمه وتوقيره. قوله: ﴿ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ ﴾ العامة على تخفيف لكن، ونصب رسول على أنه خبر لكان المحذوفة، وقرئ شذوذاً بتشديد ﴿ لَـٰكِن ﴾، و ﴿ رَّسُولَ ﴾ اسمها، وخبرها محذوف تقديره أب من غير وراثة، إذا لم يعش له ولد ذكر، وقرئ أيضاً بتخفيفها، ورفع رسول على الابتداء، والخبر مقدر أي هو أو بالعكس، ووجه الاستدراك رفع ما يتوهم من نفي الأبوة عنه، أن حقه ليس أكيداً، فأفاد أن حقه آكد من حق الأب الحقيقي بوصف الرسالة. قوله: (فلا يكون له ابن رجل بعده يكون نبياً) النفي في الحقيقة متوجه للوصف، أي كون ابنه رجلاً، وكونه نبياً بعده، وإلا فقد كان به من الذكر أولاد، ثلاث، إبراهيم والقاسم والطيب، ولكنهم ماتوا قبل البلوغ، لم يبلغوا مبلغ الرجال، فكونه خاتم النبيين، يلزم منه عدم وجود ولد بالغ له، وأورد عليه بمنع الملازمة، إذ كثير من الأنبياء، وجد لهم أولاد بالغون وليسوا بأنبياء، وأجيب: بأن الملازمة، ليست عقلية، بل على مقتضى الحكمة الإلهية، وهي أن الله أكرم بعض الرسل بجعل أولادهم أنبياء كالخليل، ونبينا أكرمهم وأفضلهم، فلو عاش أولاده، اقتضى تشريف الله له جعلهم أنبياء، لجمعهم المزايا المتفرقة في غيره فتدبر. قوله: (وإذا نزل السيد عيسى) إلخ، جواب عما يقال: كيف قال تعالى: ﴿ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ ﴾ وعيسى ينزل بعده وهو نبي؟ ولا يرد على هذا، وضع الجزية، وعدم قبول غير الإسلام، ونحو ذلك مما جاء في الأحاديث مما يخالف شرعنا، لأن ذلك شرع نبينا عند نزول عيسى عليه الصلاة والسلام. قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾ في هذا إشارة إلى تشريف المؤمنين عموماً، حيث ناداهم وأمرهم بذكره وتسبيحه، وصلى عليهم هو وملائكته، وأفاض عليهم الأنوار وحياهم، والمقصود من ذكر العباد ربهم كون الله يذكرهم، قال تعالى:﴿ فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ ﴾[البقرة: ١٥٢] وليس المقصود منه انتفاعه تعالى بذلك، تنزه الله على أن يصل له من عباده نفع أو ضر، قال تعالى:﴿ إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ﴾[الزمر: ٧] فذكرنا لأنفسنا، لأنه لا غنى لنا عن ربنا طرفة عين، وإذا كان كذلك، فلا تليق الغفلة عنه أبداً، بل المطلوب ذكره دائماً وأبداً، واعلم أن الله تعالى لم يفرض فريضة على عباده، وإلا جعل لها حداً معلوماً، وعذر أهلها في حال العذر غير الذكر، فلم يجعل له حداً، ولم يعذر أحداً في تركه، إلا من كان مغلوباً على عقله، ولذا أمرهم به في جميع الأحوال، قال تعالى:﴿ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ﴾[النساء: ١٠٣] ففيه إشارة إلى أن الذكر أمره عظيم وفضله جسيم.


الصفحة التالية
Icon