قوله: ﴿ تَحِيَّتُهُمْ ﴾ (منه تعالى) أي التحية الصادرة منه تعالى، زيادة في الاعتناء بهم، وتعظيماً لقدرهم. قوله: ﴿ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ ﴾ اختلف في وقت اللقى، فقيل: عند الموت، وقيل: عند الخروج من القبور، وقيل: عند دخول الجنة. قوله: (بلسان الملائكة) أي لما ورد: إذا جاء ملك الموت يقبض روح المؤمن يقول له: ربك يقرئك السلام، وفي الحقيقة هم يسمعون السلام من الله ومن الملائكة ومن الخلق غيرهم، قال تعالى:﴿ سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ﴾[يس: ٥٨] وقال تعالى:﴿ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ﴾[الرعد: ٢٣-٢٤].
وقال تعالى:﴿ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً ﴾[الواقعة: ٢٥-٢٦] قوله: (هو الجنة) أي وما فيها من النعيم المقيم. قوله: (على من أرسلت إليهم) أي لتترقب أحوالهم، وتكون مشاهداً لما صدر منهم من الأعمال الحسنة والقبيحة، فالأعمال تعرض عليه حياً وميتاً، ويصح أن يكون المراد شاهداً يوم القيامة للمؤمنين وعلى الكافرين، فهو مقبول الدعوى، لا يحتاج في دعواه إلى شهادة أحد، فيشهد للأنبياء بالتبليغ، وعلى الأمم إما بالتصديق أو بالتكذيب. قوله: (بأمره) دفع بذلك ما يقال: الأذن حاصل بقوله: ﴿ أَرْسَلْنَٰكَ ﴾ فأجاب: بأن المراد بالإذن الأمر والحكة في الاذن تسهيل الأمر وتيسيره، لأن الدخول في الشيء من غير إذن متعذر، فإذا حصل الإذن سهل وتيسر، ومن هنا أخذ الأشياخ استعمال الإجازة للمريدين، فمن أجاز أشياخه بشيء من العلم والإرشاد، فقد سهلت له الطريق وتيسرت، ومن لم تحصل له الإجازة وتصدر بنفسه، فقد عطل نفسه وغيره، وانسدت عليه الطرق. قوله: ﴿ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ﴾ يحتمل أن المراد بالسراج الشمس وهو ظاهر، ويحتمل أن المراد به المصباح، وحينئذ فيقال إنما شبه بالسراج، ولم يشبه بالشمس مع أن نورها أتم، لأن السراج يسهل اقتباس الأنوار منه، وهو صلى الله عليه وسلم تقتبس منه الأنوار الحسية والمعنوية. قوله: ﴿ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي حيث كنت متصفاً بالصفات الخمسة فبشر المؤمنين. قوله: ﴿ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ أي لا تدار الكفار، ولا تلن لهم جانبك في أمر الدين، بل أثبت على ما أوحي إليك وبلغه، ولا تكتم منه شيئاً. قوله: ﴿ وَدَعْ أَذَاهُمْ ﴾ إما من إضافة المصدر لفاعله أي أذيتهم إياك، فلا تقاتلهم جزاء على ما صدر منهم، أو لمفعوله أي اترك اذيتك لهم في نظير كفرهم، واصفح عنهم واصبر، ولا تعاجلهم بالعقوبة، وهذا منسوخ بآية القتال. قوله: ﴿ وَتَوَكَّـلْ عَلَى ٱللَّهِ ﴾ أي ثق به في أمورك واعتمد عليه، يكفك أمور الدين والدنيا. قوله: ﴿ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِـيلاً ﴾ الباء زائدة في الفاعل، أي إن الله تعالى كاف من توكل عليه أمور الدنيا والآخرة، وفي الآية إشارة إلى أن التوكل أمره عظيم، فإذا عجز الإنسان عن أمر، فعليه بالتوكل على الله والتفويض إليه، فإن الله يكفيه ما أهمه من أمور الدنيا والآخرة. قوله: ﴿ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ﴾ المراد بالنكاح العقد بدليل قوله: ﴿ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ﴾ وذكر المؤمنات خرج مخرج الغالب، إذ الكتابيات كذلك، وإنما خص المؤمنات بالذكر، إشارة إلى أن الأولى للمؤمن أن ينكح المؤمنات، وأما نكاح الكتابيات فمكروه، أو خلاف الأولى. قوله: ﴿ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ﴾ أي ولو طال زمن العقد. قوله: (وفي قراءة) أي وهما سبعيتان. قوله: (أي تجامعوهن) تفسير لكل من القراءتين. قوله: ﴿ تَعْتَدُّونَهَا ﴾ إما من العدد أو من الاعتداد أي تحسبونها أو تستوفون عددها من قولهم: عدا الدراهم فاعتدها أي استوفى عددها. قوله: (وعليه الشافعي) أي ومالك، فالمطلقة قبل الدخول إن سمي لها صداق، فلا متعة لها ولا عدة عليها، وإن لم يسم لها صداق بأن نكحت تفويضاً، فلا عدة عليها ولها المتعة، إما وجوباً كما هو عند الشافعي، أو ندباً كما هو عند مالك. قوله: (خلوا سبيلهن) أي اتركوهن. قوله: (من غير ضرار) أي بأن تمسكوهن تعنتاً حتى يفتدين منكم، أو تؤذوهن وتتكلموا في أعراضهن.


الصفحة التالية
Icon