قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ ﴾ إلخ، اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية فقيل: المعنى أن الله أحل له أن يتزوج بكل امرأة دفع مهرها إلخ، فعلى هذا تكون الآية ناسخة للتحريم الكائن بعد التخيير المدلول عليه بقوله: (لا تحل لك النساء من بعد) فهذه الآية وإن كانت متقدمة في التلاوة، فهي متأخرة في النزول عن الآية المنسوخة بها، كآية الوفاة في البقرة، وقيل المراد ﴿ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ﴾ الكائنات عندك، لأنهن اخترنك على الدنيا، ويؤيده قول ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوج من اي النساء شاء، وكان يشق على نسائه، فلما نزلت هذه الآية، وحرم عليه بها النساء إلا من سمى، سر نساؤه بذلك، والقول الأول أصح. قوله: ﴿ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ﴾ بيان لما يفعله من مكارم الأخلاق، وإلا فالله أحل له أن يتزوج بلا مهر. قوله: ﴿ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ﴾ بيان لما ملكت يمينك، وهذا القيد خرج مخرج الغالب، بل الملك بالشراء كذلك. قوله: (كصفية) هي بنت حيي بن أخطب من نسل هارون أخي موسى، وتقدم أنها كانت من سبي خيبر، أذن النبي صلى الله عليه وسلم لدحية الكلبي في أخذ جارية فأخذها، فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم أعطيته سيدة بني قريظة والنضير، وهي لا تصلح إلا لك، فخشي عليها الفتنة، فأعطاه غيرها ثم أعتقها وتزوجها وبنى بها وهو راجع إلى المدينة، وفي رواية: أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: هل لك فيَّ؟ قالت: نعم يا رسول الله، إني كنت أتمنى ذلك في الشرك، وكان بعينها خضرة، فسألها عنها فقالت: إنها كانت نائمة، ورأس زوجها ملكهم في حجرها، فرأت قمراً وقع في حجرها، فلما استيقظ أخبرته فلطمها وقال: تتمنين ملك يثرب، ماتت في رمضان سنة خمسين ودفنت في البقيع. قوله: (وجويرية) أي وهي بنت الحرث الخزاعية، وكانت وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، فكاتبها فجاءت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم وعرفته بنفسها فقال: هل لك إلى ما هو خير من ذلك، أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك؟ فقالت: نعم، فسمع الناس بذلك، فأعتقوا ما بأيديهم من قومها وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة: فما رأينا امرأة كانت أعظم في قومها بركة منها، أعتق بسببها مائة أهل بيت من بني المصطلق، وقسم لها النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت بنت عشرين سنة، وتوفيت سنة خمسين. قوله: ﴿ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ ﴾ أي نساء قريش المنسوبات لأبيك، وقوله: ﴿ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ﴾ أي نساء بني زهرة المنسوبات لأمك، وحكمة إفراد العم والخال دون العمة والخالة، أن العم والخال يعمان إذا أضيفا، لكونهما مفردين خاليين من تاء واحدة، والعمة والخالة لا يعمان لوجود التاء. قوله: (بخلاف من لم يهاجرن) أي فلا يحللن له، وهذا الحكم كان قبل الفتح، حين كانت الهجرة شرطاً في الإسلام، فلما نسخ حكم الهجرة، نسخ هذا الحكم. قوله: ﴿ وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً ﴾ معطوف على مفعول ﴿ أَحْلَلْنَا ﴾ أي وأما غير المؤمنة فلا تحل له، وظاهر الآية أن النكاح ينعقد في حقه صلى الله عليه وسلم بالهبة، وحينئذ فيكون من خصوصياته، والنساء اللاتي وهبن أنفسهن أربع: ميمونة بنت الحرث، وزينب بنت خزيمة أم المساكين الأنصارية، وأن شريك بنت جابر، وخولة بنت حكيم. واعلم أنه يحرم على النبي تزوج الحرة الكتابية لما في الحديث:" سألت ربي أن لا أزوج إلا من كان معي في الجنة فأعطاني "ولقوله تعالى:﴿ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾[الأحزاب: ٦] ولا يليق أن تكون المشركة أم المؤمنين، ويحرم عليه أيضاً نكاح الأمة ولو مسلمة، لأن نكاحها مشروط بأمرين: خوف العنت، وعدم وجود مهر الحرة، وكلا الأمرين مفقود منه صلى الله عليه وسلم، وأما تسرية بالأمة الكتابية ففيه خلاف. قوله: ﴿ إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ﴾ أظهر في محل الإضمار، تشريفاً لهذا الوصف، وإظهاراً لعظمة قدره عليه. قوله: ﴿ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا ﴾ هذا الشرط في الشرط الأول، فإن هبتها نفسها لا توجب حلها، إلا إذا أراد نكاحها، بأن يحصل منه القبول بعد الهبة، أو يسألها في ذلك قبل الهبة فتدبر. قوله: ﴿ خَالِصَةً ﴾ مصدر معمول لمحذوف، أي خلصت لك خالصة، ومجيء المصدر على هذا الوزن كثير، كالعاقبة والعافية والكاذبة. قوله: (من غير صداق) أي ومن غير ولي وشهود. قوله: (وغيره) أي كهبة. قوله: (بخلاف المجوسية) إلخ، فلا تحل لمالكها إلا إذا استسلمها، وذلك كجواري السودان والحبشة والمغرب، لأنهن يجبرن على الإسلام، ولذا لا يجوز للكفار شراؤهن كما هو مقرر في الفقه. قوله: (وأن تستبرأ قبل الوطء) أي كتابية كانت أو مجوسية. قوله: (متعلق بما قبل ذلك) أي وهو قوله: ﴿ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ ﴾ والمعنى: أحللنا لك أزواجك، وما ملكت يمينك، والموهوبة لك، لئلا يكون عليك ضيق. قوله: (لما يعسر التحرز عنه) أي لقولهم إذا ضاق الأمر اتسع.