قوله: ﴿ تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ ﴾ إلخ، اتفق المفسرون على أن المقصود من هذه الآية، التوسعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاشرته لنسائه، واختلفوا في تأويله، وأصح ما قيل فيها: التوسعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ترك القسم، فكان لا يجب عليه القسم بين زوجاته، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغار على النبي صلى الله عليه وسلم على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقول: أو تهب المرأة نفسها لرجل، فلما أنزل الله عز وجل ﴿ تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ ﴾ قالت: قلت: والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك، وقيل: إن ذلك في الواهبات أنفسهن، وحينئذ فيكون المعنى تأخذ من شئت منهن، وتترك من شئت، وقيل: إن ذلك في الطلاق فالمعنى لك طلاق من شئت منهن، وإمساك من شئت، وعلى كل حال، فالآية معناها التوسعة عليه في أمر النساء. قوله: (والياء بدله) أي بدل الهمزة، وحينئذ فهو مرفوع بضمة مقدرة على الياء، منع من ظهورها الثقل. قوله: (عن نوبتها) أي من القسم. قوله: ﴿ وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ ﴾ إلخ أي التي طلبت ردها إلى فراشك، بعد أن عزلتها وأسقطتها من القسمة، فلا جناح عليك. قوله: (بعد أن كان القسم واجباً عليه) هذا أحد قولين، وقيل: كان مخيراً من أول الأمر، ولم يكن واجباً عليه ابتداء. قوله: ﴿ ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ ﴾ هذا إشارة إلى حكمة تخييره في القسم وعدم وجوبه عليه، والمعنى لم يجب عليه القسم بين نسائه مع أنه عدل، لأن التخيير، أقرب إلى سكون أعينهم وعدم حزنهن، وأقرب إلى رضاهن بما حصل لهن، لأنهن إذا علمن أن الله لم يوجب على النبي شيئاً من القسم، وحصل منه القسم سررن بذلك وقنعن به. قوله: (تأكيد للفاعل) أي فهو بالرفع، وهذه قراءة العامة، وقرئ شذوذاً بالنصب توكيد للمفعول. قوله: ﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ ﴾ خطاب للنبي على جهة التعظيم، ويحتمل أن يراد العموم. قوله: (والميل إلى بعضهن) أي بالطبع، فكان يميل إلى بعضهن أكثر، وكان يقول: اللهم إن هذا حظي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما لا أملك، واتفق العلماء على أنه صلى الله عليه وسلم كان يعدل بينهن في القسمة حتى مات، غير سوده رضي الله عنها، فإنها وهبت ليلتها لعائشة رضي الله عنها. قوله: ﴿ حَلِيماً ﴾ (على عقابهم) أي يعلم العيب ويستره، فينبغي للإنسان أن لا يفرط في حقوقه، لأن انتقام الحليم وغضبه أمر عظيم لما في الحديث:" اتقوا غيظ الحليم "ففي الآية ترغيب وترهيب. قوله: (بالتاء والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (بعد التسع) أي بعد اجتماعهن في عصمتك، فهي بمنزلة الأربع لآحاد الأمة، فقد قصر الله نبيه عليهن، جزاء لهن على اختيارهن الله ورسوله، وهن التسع اللاتي توفي عنهن وهن: عائشة بنت أبي بكر الصديق، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أمية، وصفية بنت حيي، وميمونة بنت الحرث الهلالية، وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحرث المصطلقية، وقيل المراد بعد التخيير.


الصفحة التالية
Icon