سورة سبأ مكيةإلا ﴿ وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ﴾ الآية. وهي أربع أو خمس وخمسون آيةبالصرف وتركه كما سيأتي، سميت بذلك لذكر قصة سبأ فيها، من باب تسمية الشيء باسم بعضه. قوله: (حمد تعالى) من باب فهم. قوله: (المراد) بالجر نعت لاسم الإشارة. قوله: (الثناء بمضمونه) أي انشاء الثناء بمضمونه، وهو الوصف بالجميل، وليس المراد انشاء المضمون، لأن اتصافه بالجميل أزلي ثابت له سبحانه وتعالى، وإنما تعبدنا الله تعالى، بتجديد حمد موافق للحمد الأزلي، وهذا يؤيد قول بعض العلماء: إن أل في الحمد عهدية، لأن الله لما علم عجز خلقه في كنهه، حمد نفسه بنفسه أزلاً، وأمرهم أن يحمدوه بحمد موافق لحمده، فتحصل أن الوصف بالجميل ثابت لله أزلاً، وإنشاء الثناء به حادث، فقول الله تعالى ﴿ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ﴾ اللفظ والتلفظ حادثان دالان على معنى قديم، وهو اتصاف الله بالجميل. إن قلت: الحمد مدح، ومدح النفس مذموم بين الخلق، فما وجه ذلك؟ أجيب: بأن أوصاف الرب لا تقاس على أوصاف العبيد، ألا ترى الاتصاف بالعظمة والكبرياء، فإنها نقص في الخلق، كمال في الخالق، وبهذا انهدم قول المعتزلة: إن كل ما حسنه العقل يوصف به الرب، وكل ما قبحه العقل ينزه عنه، وبنوا على ذلك أموراً فاسدة منها: وجوب الصلاح والأصلح، وغير ذلك. قوله: (ملكاً وخلقاً) أي إن كل ما في السماوات وما في الأرض، مملوك ومخلوق له سبحانه وتعالى. قوله: ﴿ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلآخِرَةِ ﴾ أي في نظير النعم التي تعطى لأهل الإيمان، فالحمد في الآخرة مخصوص بمن آمن، وأما الكفار فليسوا من أهله. قوله: (كالدنيا) أشار بذلك أن في الآية اكتفاء. قوله: (يحمده أولياؤه) المراد بهم المؤمنون. قوله: (إذا دخلوا الجنة) أي فيقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، الحمد لله الذي صدقنا وعده. قوله: ﴿ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ ﴾ أي فلا اعتراض عليه في فعل من الأفعال. قوله: ﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ تفصيل لبعض معلوماته التي تعلق بها مصالح الدين والدنيا. قوله: (كماء وغيره) أي كالكنوز والأموات. قوله: (كنبات وغيره) أي كالكنوز والأموات إذا خرجت من القبور. قوله: (من رزق وغيره) أي كالبركات والملائكة والصواعق. قوله: ﴿ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ﴾ ضمن العروج معنى الاستقرار، فعداه بفي دون إلى. قوله: (من عمل وغيره) أي كالملائكة، فهو سبحانه وتعالى محيط بجميع ذلك. قوله: ﴿ ٱلْغَفُورُ ﴾ (لهم) أي إذا عصوه أو فرطوا في بعض حقوقه، وفي ذلك إشارة إلى أن رحمة الله وغفرانه، مختصان بمن يدخل الجنة، وهذا في الآخرة، وأما في الدنيا، فرحمته وسعت كل شيء. قوله: ﴿ لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ ﴾ أراد الكفار بضمير التكلم جميع الخلق لا خصوص أنفسهم، وأرادوا أيضاً بنفي اتيانها، نفي وجودها لا عدم حضورها، مع كونها في نفس الأمر. قوله: ﴿ قُلْ بَلَىٰ ﴾ رد لكلامهم، لأن كلامهم نفي. فأجيب بالنفي، ونفي النفي إثبات. قوله: ﴿ وَرَبِّي ﴾ أتى بالقسم تأكيداً للرد، وقوله: ﴿ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ ﴾ تقوية للتأكيد، والحكمة في وصفه تعالى بهذا الوصف، الإهتمام بشأن المقسم عليه. قوله: (بالجر) إلخ، أي فالقراءات الثلاث سبعيات وجهان في صيغة اسم الفاعل، ووجه واحد في صيغة المبالغة. قوله: ﴿ لاَ يَعْزُبُ ﴾ بضم الزاي في قراءة الجمهور، وكسرها في قراءة الكسائي. قوله: ﴿ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ ﴾ إلخ، قرأ العامة بضم الراء في أصغر وأكبر على أنه مبتدأ، وخبره قوله: ﴿ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ وقرئ بفتح الراء، على أن لا نافية للجنس، و ﴿ أَصْغَرُ ﴾ اسمها، وقوله: ﴿ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ خبرها، والمعنى على كل من القراءتين واحد، وهو أن كل ما كان، وما يكون، وما هو كائن من سائر المخلوقات، ثابت في اللوح المحفوظ ومبين فيه زيادة على تعلق علم الله به وإثباتها في اللوح، لا لاحتياج تنزه الله عنه. إن قلت: أي حاجة إلى ذكر الأكبر بعد الأصغر، إذ هو مفهوم بالأولى؟ أجيب: بأنه لرفع توهم أن اثبات الأصغر خوف توهم النسيان، وأما الأكبر فلا ينسى، فلا حاجة إلى إثباته، فأفاد أن كلاً مرسوم في اللوح المحفوظ لا لاحتياج. قوله: ﴿ لِّيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ إلخ، علة لقوله: ﴿ لَتَأْتِيَنَّكُمْ ﴾ كأنه قال: لتأتينكم لأجل جزاء المؤمنين والكافرين، واللام للعاقبة والصيرورة. قوله: (حسن في الجنة) أي محمود العاقبة، وأعظمه رؤية الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon