قوله: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ ﴾ اللام موطئة لقسم محذوف، أي والله لقد كان إلخ. و ﴿ لِسَبَإٍ ﴾ خبر ﴿ كَانَ ﴾ مقدم، و ﴿ آيَةٌ ﴾ اسمها مؤخر، و ﴿ مَسْكَنِهِمْ ﴾ حال. قوله: (بالصرف وعدمه) أي وفي عدم الصرف قراءتان، وفتح الهمز وسكونها، فالقراءات ثلاث. قوله: (سميت باسم جد لهم) أي وهو سبأ بن يشجب بجيم مضمومة ابن يعرب بن قحطان، روي أن رجلاً قال: يا رسول الله، وما سبأ، أرض أو امرأة، قال: ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل ولد عشراً من العرب، فتيامن منهم ستة، أي سكنوا اليمن، وتشاءم منهم أربعة أي سكنوا الشام، فأما الذين تشاءموا، فلخم وجذام وغسان وعاملة، وأما الذين تيامنوا: فالأزد والأشعريون وحمير وكندة ومذحج وأنمار، فقال رجل: يا رسول الله، وما أنمار؟ قال: الذين منهم خثعم وبجيلة، والمقصود من تلك القصة، اتعاظ هذه الأمة المحمدية، لعتبروا ويشكروا نعمة الله عليهم، وإلا يحل بهم ما حل بهم من قبلهم. قوله: ﴿ فِي مَسْكَنِهِمْ ﴾ بالجمع كمساجد، والإفراد إما بكسر الكاف أو فتحها، ففيه ثلاث قراءات سبعيات. قوله: (باليمن) أي وكان بينها وبين صنعاء ثلاثة أيام. قوله: (دالة على قدرة الله) أي فإذا تأمل العاقل فيها، استدل على باهر قدرته، وأنه الخالق لجميع المخلوقات. قوله: (بدل) أي من آية التي هي اسم كان، وصح إبدال المثنى من المفرد، لأنه في قوة المتعدد، وذلك أن الجنتين لما كانتا متماثلتين، وكانت كل واحدة دالة على قدرة الله، من غير انضمام غيرها لها، صح جعلهما أي واحدة، نظير قوله تعالى:﴿ وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ﴾[المؤمنون: ٥٠].
قوله: (عن يمين واديهم وشماله) هذا أحد قولين، وقيل: عن يمين الذاهب وشماله. قوله: (وقيل لهم) أي على لسان أنبيائهم، لأنه بعث لهم ثلاثة عشر نبياً، فدعوهم إلى الله وذكروهم بنعمه، وهذا الأمر للإذن والإباحة. قوله: ﴿ وَٱشْكُرُواْ لَهُ ﴾ أي اصرفوا نعمه في مصارفها. قوله: (أرض سبأ) إلخ، أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ﴾ خبر لمحذوف، فهو كلام مستأنف. قوله: (ليس بها سباخ) جمع سبخة وهي الأرض ذات الملح. قوله: (ولا بعوضة) البعوض البق، وقوله: ولا برغوث) بضم الباء. قوله: (فيموت) أي القمل ومثله باقي الهوام. قوله: ﴿ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾ أي يستر ذنوبهم. قوله: ﴿ فَأَعْرَضُواْ ﴾ (عن شكره) أي عن أمره اتباع رسله، لما روي أنه أرسل الرسل لهم ثلاثة عشر نبياً، فدعوهم إلى الله وذكروهم بنعمة وأنذروهم عقابه، فكذبوهم وقالوا: ما نعرف لله علينا نعمة فقولوا له، فليحبس عنا هذه النعم إن استطاع وكان لهم رئيس يلقب بالحمار، وكان له ولد فمات، فرفعه رأسه إلى السماء فبزق وكفر، فلا يمر بأرضه أحد إلا دعاه للكفر، فإن أجابه وإلا قتله. قوله: (وهو ما يمسك الماء من بناء وغيره) أي فكان واديهم أرضاً متسعة بين جبال شامخة، فبنت بلقيس سداً حول ذلك الوادي بالصخر والقار، وجعلت له أبواباً ثلاثة، بعضها فوق بعض، وصار ماء يتساقط من الجبال خلف السد من كل جهة، فكانوا يسقون من الأعلى، ثم من الأوسط، ثم من الأدنى؛ على حسب علو الماء وهبوطه، فالعرم هو هذا السد، وقيل: العرم اسم للفأر الذي نقب السد لما ورد أنهم كانوا يزعمون أنهم يجدون في كهانتهم أنه يخرب سدهم فأرة، فلم يتركوا فرجة بين صخرتين، إلا ربطوا إلى جانبها هرة، فلما جاء ما أراده بهم، أقبلت فأرة حمراء إلى بعض تلك الهررة، فثاورتها حتى استأخرت على الحجر، ثم وثبت ودخلت في الفرجة التي عندها، ونقبت السد حتى وهنته للسيل وهم لا يدرون، فلما جاء السيل، دخل تلك الفرجة حتى بلغ السد، وفاض الماء على أموالهم فأغرقها ودفن بيوتهم. قوله: ﴿ جَنَّتَيْنِ ﴾ تسميتها بذلك تهكم بهم لمشاكله الأول. قوله: (مفرد في الأصل) أي لأن أصلها ذوية، تحركت الياء وانفتح ما قبلها، قلبت ألفاً فصار ذوات، ثم حذفت الواو تخفيفاً، ففي تثنيته وجهان: اعتبار الأصل، واعتبار العارض، فالأول ذواتان، والثاني ذاتان. قوله: (مر بشع) قيل: هو شجر الأراك. وقيل: كل شجر له شوك. قوله: (بإضافة أكل) أي بضم الكاف لا غير، وقوله: (وتركها) أي بضم الكاف وسكونها، فالقراءات ثلاثة سبعيات. قوله: (ويعطف عليه) أي على أكل. قوله: ﴿ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾ الصحيح أن السدر وهو النبق نوعان: نوع يؤكل ثمره وينتفع بورقه، وهو له ثمر غض، لا يؤكل أصلاً، ولا ينتفع بورقه، وهو المسمى بالضال، وهو المراد هنا. قوله: ﴿ ذَٰلِكَ ﴾ مفعول ثان لجزينا مقدم عليه. قوله: (بكفرهم) أشار بذلك إلى أن ما مصدرية. قوله: (بالياء والنون) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (أي ما يناقش إلا هو) أشار بذلك إلى أن الحصر منصب على المناقشة والتدقيق في الحساب والمؤاخذة بكل الذنوب، وإلا فمطلق المجازاة تكون للمؤمن والكافر، لكن المؤمن يعامل بالفضل والكافر يعامل بالعدل.


الصفحة التالية
Icon