قوله: ﴿ وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً ﴾ هذا خطاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يضرب لقومه مثلاً، لعلهم يتعظون فيؤمنوا. قوله: ﴿ أَصْحَابَ ﴾ (مفعول ثان) الأوضح ن يجعله مفعول أولاً. قوله: (أنطاكية) بالفتح والكسر وسكون النون وكسر الكاف وتخفيف الياء المفتوحة، وهي مدينة بأرض الروم، ذات سور عظيم من صخر، وهي بين خمسة جبال، دورها اثنا عشر ميلاً. وحاصل تلك القصة. أن عيسى عليه السلام، بعث رسولين من الحواريين إلى أهل انطاكية، اسم أحدهما صادق، والثاني مصدوق، فلما قربا من المدينة، رأيا شيخاً يرعى غنيمات له، وهو حبيب النجار صاحب يس، فسلما عليه، فقال الشيخ لهما: من أنتما؟ فقالا: رسولا عيسى صلى الله عليه وآله وسلم، ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن، فقال: أمعكما آية؟ قالا: نعم، نشفي المريض، ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله تعالى، وذلك كرامة لهما، ومعجزة لنبيهما، لأنه لما أرسلهما أيدهما بمعجزاته، فقال الشيخ: إن لي ابناً مريضاً منذ سنين، قالا: فانطلق بنا ننظر حاله فأتى به، فمسحا ابنه، فقام في الوقت بإذن الله تعالى صحيحاً، ففشا الخبر في المدينة، وشفى الله على أيديهما كثيراً من المرضى. وكان لهم ملك يعبد الأصنام اسمه انطيخا، فدعا بهما وقال: من أنتما؟ قالا: رسولا عيسى عليه السلام، قال: وفيم جئتما؟ قالا: ندعوك من عبادة من لا يسمع ولا يبصر، إلا عبادة من يسمع ويبصر، قال: وهل لنا إله دون آلهتنا؟ قالا: نعم، الذي أوجدك وآلهتك، قال لهما: قوما حتى أنظر في أمركما، فتبعهما الناس، فأخذوهما وجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، ووضعوهما في السجن، وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك، فهل كلمتهما وسمعت قولهما؟ فقال: حال الغضب بيني وبين ذلك، قال: فإني أرى أيها الملك، أن تدعوهما حتى نطلع على ما عندهما، فدعاهما الملك، فقال شمعون: فصفاه وأوجزا، قالا: إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فقال شمعون: وما آيتكما؟ قالا: ما تتمناه، فأمر الملك حتى جاؤوا بغلام مطموس العينين، وموضع عينيه كالجبهة، فما زال يدعوان ربهما، حتى انشق موضع البصر، فأخذا بندقتين من طين، فوضعاهما في حدقتيه، فصارتا مقلتين يبصر بهما، فتعجب الملك، فقال شمعون للملك: إن أنت سألت آلهتك حتى يصنعوا مثل هذا، كان لك الشرف ولآلهتك، فقال له الملك: ليس لي عنك سر مكتوم، فإن آلهنا الذي نعبده، لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع، وكان شمعون يدخل مع الملك على الصنم، ويصلي ويتضرع، حتى ظنوا أنه على ملتهم، فقال الملك للرسولين: إن قدر إلهكما الذي تعبدانه، على احياء ميت آمنا به وبكما، قالا: إلهنا قادر على كل شيء، فقال الملك: إن ههنا ميتاً قد مات منذ سبعة أيام، وهو ابن دهقان، وأنا أخرته فلم أدفنه حتى يرجع أبوه وكان غائباً وقد تغير، فجعلا يدعوان ربهما علانية، وشمعون يدعو ربه سراً، فقام الميت وقال: إني ميت منذ سبعة أيام، وكنت مشركاً، فأدخلت في سبعة أودية من النار، وأنا أحذركم ما أنتم عليه، فآمنوا بالله، ثم قال: فتحت أبواب السماء، فنظرت شاباً حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة: سمعون وهذين، وأشار بيده إلى صاحبيه، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وكلمته، فعجب الملك من ذلك، فلما علم شمعون أن قوله قد أثر في الملك، أخبره بالحال وأنه رسول عيسى، ودعاه فآمن الملك، وآمن معه قوم وكفر آخرون، وقيل بل كفر الملك، وأجمع على قتل الرسل هو وقومه، فبلغ ذلك حبيباً وهو على باب المدينة، فجاء يسعى إليهم ويذكرهم ويدعوهم إلى طاعة المرسلين. قوله: (إلى آخره) أي آخر القصة وهو قوله:﴿ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾[يس: ٣٠].
قوله: ﴿ لَمُرْسَلُونَ ﴾ جمع باعتبار الثالث. قوله: (أي رسل عيسى) هذا هو المشهور، وقيل: إنهم رسل من الله من غير واسطة عيسى؛ أرسلوا إلى أصحاب هذه القرية. قوله: (بدل من إذ الأولى) أي بدل مفصل من مجمل. قوله: (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ ﴾ أكدوا كلامهم بأن التقدم انكارهم بتكذيب الاثنين، وتكذيبهما تكذيب للثالث لاتحاد مقالتهم. قوله: قالوا: ﴿ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾ أي فلا مزية لكم علينا. قوله: (جار ومجرى القسم) أي فيؤكد به كالقسم، ويجاب كما يجاب به القسم. قوله: لزيادة الإنكار أي حيث تعددت ثلاث مرات. قوله: (وهي إبراء الأكمه) أي الأعمى. قوله: ﴿ قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ﴾ التطير اتفاؤل، سمي بذلك لأنهم كانوا يتفاءلون بالطير، إذا أرادوا سفراً أو غيره، فإن ذهب ميمنة قالوا خير، وإن ذهب ميسرة قالوا شر. قوله: (لانقطاع المطر عنا بسببكم) قيل: حبس عنهم المطر ثلاث سنين فقالوا: هذا بشؤمكم. قوله: (لام قسم) أي وقد حنثوا فيه، لأن الله أهلكم، قبل أن يفعلوا بهم ما حلفوا عليه. قوله: (بكفرهم) الباء سببية أي طائركم حاصل معكم، بسبب كفركم وعنادكم. قوله: (وإدخال ألف) أي وتركه، فالقراءات أربع سبعيات. قوله: (وجواب الشرط محذوف) أي على القاعدة، وهي أنه إذا اجتمع استفهام وشرط، أتى بجواب الاستفهام، وحذف جواب الشرط، وهو مذهب سيبويه، وعند يونس بالعكس. قوله: (وهو محل الاستفهام) أي وهو المستفهم عنه، والمعنى لا ينبغي ولا يليق بكم التطكاير والكفر حيث وعظتم، بل آمنوا وانقادوا. قوله: ﴿ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴾ اضراب عما تقتضيه الشرطية، من كون التذكير سبباً للشؤم، أي ليس الأمر كذلك، بل أنتم قوم عادتكم الإسراف في العصيان، فشؤمكم لذلك. قوله: (متجاوزون الحد بشرككم) أي بعد ظهور المعجزات، وهذا الخطاب لمن بقي على الكفر منهم، وهم الذين رجموا حبيباً النجار، وأهلكهم الله كما يأتي.