سورة ص مكيةوهي ست أو ثمان وثمانون آيةأي ويقال لهم سورة داود. قوله: (مكية) أي كلها. قوله: (أو ثمان) أو لحكاية الخلاف. قوله: (الله أعلم به) تقدم غير مرة أن هذا القول أسلم، لأن تفويض الأمر المتشابه لعلم الله تعالى هو غاية الأدب، واعلم أن في لفظ ص قراءات خمسة السبعة على السكون لا غير، والباقي شاذ، وهو الضم والفتح من غير تنوين، والكسر بتنوين وبدونه، فالضم على أنه خبر لمحذوف، على أنه اسم للسورة، أي هذه ص، ومنع من الصرف للعلمية والتأنيث، والفتح إما على أنه مفعول لمحذوف تقديره اقرأ ونحوه، أو مبني على الفتح كأين وكيف، والأول أقرب، والكسر بغير تنوين للتخلص من التقاء الساكنين، وبالتنوين مجرور بحرف قسم محذوف، وصرف بالنظر إلى اللفظ. قوله: (أي البيان) أي لما يحتاج إليه أمر الدين، وقوله: (أو الشرف) أي أن من آمن به، كان شريفاً في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى:﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾[الأنبياء: ١٠] أي شرفكم، وأيضاً القرآن شريف في ذاته، من حيث اشتماله على المواعظ والأحكام وغيرهما، فهو شريف في نفسه مشرف لغيره، وقيل: المراد بالذكر، ذكر أسماء الله تعالى وتمجيده، وقيل: المراد به الموعظة، وقيل: غير ذلك. قوله: (وجواب هذا القسم محذوف) إلخ، هذا أحد أقوال وهو أحسنها، وقيل: تقديره﴿ إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾[يس: ٣] كما في يس، وقيل: هو قوله: ﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا ﴾ وفيه حذف اللام، والأصل لكم أهلكنا، وإنما حذفت لطول الكلام، نظير حذفها في قوله:﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴾[الشمس: ٩] بعد قوله:﴿ وَٱلشَّمْسِ ﴾[الشمس: ١]، وقيل: غير ذلك. قوله: ﴿ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ اضراب وانتقال من قصة إلى قصة. قوله: (من أهل مكة) خضهم بالذكر لأنهم سبب النزول، وإلا فالمراد كل كافر. قوله: (أي كثيراً) أشار بذلك إلى أن ﴿ كَمْ ﴾ خبرية بمعنى كثيراً مفعول ﴿ أَهْلَكْنَا ﴾ و ﴿ قَرْنٍ ﴾ تمييز لها. قوله: ﴿ وَّلاَتَ حِينَ ﴾ اختلفت المصاحف في رسم التاء، فبعضهم رسمها مفصولة، وبعضهم رسمها متصلة بحين، وينبني على هذا الاختلاف الوقف، فبضعهم يقف على التاء، وبعضهم على لا، ومن يقف على التاء، فجمهور السبعة يقفون على التاء المجرورة، اتباعاً لمرسوم الخط الشريف، والأقل منهم يقف بالهاء، وهذا الوقف للاختيار، لا أنه من جملة الأوقاف الجائزة. قوله: ﴿ مَنَاصٍ ﴾ المناص يطلق على المنجي والمفر والتقدم والتأخر، وكل هنا يناسب المقام. قوله: (أي ليس الحين) إلخ، أشار بذلك إلى مذهب الخليل وسيبويه في لات، من حيث إنها تعمل عمل ليس، وان اسمها محذوف، وهو خبرها لفظ الحين، وإلى ذلك أشار ابن مالك بقوله: وما للات في سوى حين عمل وحذف ذي الرفع فشا والعكس قلقوله: (والتاء زائدة) أي لتأكيد النفي. قوله: (من فاعل نادوا) أي وهو الواو. قوله: (وما اعتبر) معطوف على ﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا ﴾.
قوله: ﴿ وَعَجِبُوۤاْ ﴾ إلخ أي جعلوا مجيء رسول من جنسهم أمراً خارجاً عن طوق العقل فيتعجب منه. قوله: (من أنفسهم) أي من جنسهم. قوله: (فيه وضع الظاهر) إلخ زيادة في التقبيح عليهم، وإشعاراً بأن كفرهم جسرهم على هذا القول. قوله: ﴿ سَاحِرٌ ﴾ أي فيما يظهره من الخوارٌ. قوله: ﴿ كَذَّابٌ ﴾، أي فيما يسنده إلى الله من الإرسال والإنزال. قوله: ﴿ أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ ﴾ إلخ، الاستفهام تعجبي، أي كيف يعلم الجميع، ويقدر على التصرف فيهم إله واحد؟ وسبب هذا التعجب، قيساهم للقديم على الحادث، ولم يعلموا أنه واحد لا من قلة، بل وحدته تعزز وانفراد، تنزه الله عن مماثلة الحوادث له. قوله: (عجيب) أشار بذلك إلى أن ﴿ عُجَابٌ ﴾ مبالغة في (عجيب). قوله: (عند أبي طالب) روي أنه لما أسلم عمر، شق ذلك على قريش، فاجتمع خمسة وعشرون من صناديدهم، فأتوا يا طالب فقالوا: أنت شيخنا وكبيرنا، وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء، وجئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك، فأحضره وقال له: يا ابن أخي، هؤلاء قومك يسألونك السواء والإنصاف، فلا تمل كل الميل على قومك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا تسألونني؟ فقالوا: ارفضتا وارفض ذكر آلهتنا، وندعك وإلهك، فقال: أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم، أمعكي أنتم كلمة واحدة تملكون بها رقاب العرب، وتدين لكم العجم، فقالوا: نعم وعشر أمثالها، فقال: قولوا لا إله إلا الله، فقاموا وانطلقوا قائلين: امشوا واصبروا على آلهتكم. قوله: (أي يقول بعضهم) إلخ، أشار بذلك إلى أن ﴿ أَنِ ﴾ تفسيرية، وضابطها موجود، وهو تقدم جملة فيها معنى القول دون حروفه. قوله: ﴿ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ﴾ أي استمروا على عبادتها. قوله: ﴿ إِنَّ هَـٰذَا ﴾ تعليل للأمر بالصبر. قوله: ﴿ يُرَادُ ﴾ (منا) أي يقصد منا تنفيذه، فلا انفكاك لنا عنه. قوله: ﴿ مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا ﴾ إخ، أي وإنما سمعنا فيها التثليث. قوله: (بتحقيق الهمزتين) أي فالقراءات أربع سبعيات. قوله: (أي لم ينزل عليه) أشار بذلك إلى أن الاستفهام انكاري بمعنى النفي. قوله: ﴿ بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ ﴾ اضراب عن مقدر تقديره انكارهم للذكر ليس عن علم، بل هم في شك منه. قوله: ﴿ بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ ﴾ اضراب انتقالي لبيات سبب الشك، والمعنى سببه أنهم لم يذوقوا العذاب إلى الآن، ولو ذاقوا لأيقنوا بالقرآن وآمنوا به. قوله: ﴿ يَذُوقُواْ ﴾ أشار بذلك إلى أن ﴿ لَّمَّا ﴾ بمعنى لم، فالمعنى لم يذوقوه إلى الآن، وذوقهم له متوقع، فإذا ذاقوا زال عنهم الشك وصدقوا، وتصديقهم حينئذ لا ينفعهم. قوله: (حينئذ أي حين ذاقوه. قوله: ﴿ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ﴾ المعنى أن النوبة عطية من الله يتفضل بها على من يشاء من عباده فلا مانع له. قوله: (الغالب) أي الذي لا يغلبه شيء، بل هو الغالب لكل شيء. قوله: ﴿ ٱلْوَهَّابِ ﴾ أي الذي يهب من يشاء لمن يشاء. قوله: ﴿ أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ المعنى: ليس لهم تصرف في العالم الذي هو من جملة خزائن رحمته، فمن أين لهم التصرف فيها. قوله: ﴿ فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ ﴾ الفاء واقعة في جواب الشرط مقدر قدره بقوله: (إن زعموا ذلك) أي المذكور من العندية والملكية، والمعنى: فليصعدوا في المعاريج التي يتوصل بها العرش، حتى يستووا عليه، ويدبروا أمر العالم، وينزلوا الوحي على من يختارون. قوله: (بمعنى همزة الإنكار) أي وبعضها قدرها ببل والهمزة. قوله: (أي وهم جند) أشار بذلك إلى أن ﴿ جُندٌ ﴾ خبر لمحذوف، والتنوين للتقليل، والتحقير، و ﴿ مَّا ﴾ لتأكيد القلة. قوله: ﴿ هُنَالِكَ ﴾ ظرف لجند أو بمهزوم. قوله: ﴿ مَهْزُومٌ ﴾ أي مقهور ومغلوب، والمعنى ﴿ جُندٌ ﴾ إن قريشاً جند حقير قليل من الكفار المتحزبين على الرسل مهزوم مكسور عن قريب، فلا تكترث بهم، وتسلَّ عنهم. قوله: (صفة جند أيضاً) أي فقد وصف ﴿ جُندٌ ﴾ بصفات ثلاث: الأولى ﴿ مَّا ﴾ والثانية ﴿ مَهْزُومٌ ﴾ والثالثة ﴿ مِّن ٱلأَحَزَابِ ﴾ قوله: (وأولئك) أي الأحزاب.


الصفحة التالية
Icon