قوله: ﴿ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ﴾ أي لأنهم نزلوا من أعلى، على خلاف العادة والحرس حوله. قوله: ﴿ قَالُواْ لاَ تَخَفْ ﴾ جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: ماذا قالوا لما شاهدوا فزعه؟ فقال: قالوا: لا تخف. قوله: (قيل: فريقان) هذا مبني على أن الداخل فيه كان أزيد من اثنين، فكان المتخاصمين والشاهدين والمزكيين. قوله: (وفيل: اثنان) أي شخصان، وهو مبني على أن الداخل المتداعيان فقط. قوله: (والخصم يطلق) إلخ، أي لأن في الأصل مصدر. قوله: (وهما ملكان) قيل هما جبريل وميكائيل. قوله: (على سبيل العرض) بالعين المهملة أي التعريض، وهو جواب عما يقال: إن الملائكة معصومون، فكيف يتصور منهم البغي أو الكذب؟ فأجاب: بأن هذا على سبيل التعريض للمخاطب، فلا بغي فيه ولا كذب. قوله: (لتنبيه داود) أي ايقاظه على ما صدر منه. قوله: (وكان له تسع) إلخ، بيان لما وقع منه. قوله: (وطلب امرأة شخص) هو وزيره أوريا بن حان لسر عظيم، وهو كما قيل: إنها أم سليمان عليه السلام. قوله: (وتزوجها ودخل بها) مشى المفسر على أن داود سأل أوريا طلاق زوجته، ثم بعد وفاء عدتها، تزوجها داود ودخل بها، وهو أحد أقوال ثلاثة، والثاني: أن داود لما تعلق بها قلبه، أمر أوريا ليذهب للجهاد ليقتل فيتزوجها ففعل، فلما قتل في الجهاد تزوجها داود، والثالث أن أوريا لم يكن متزوجاً بها، وإنما خطبها فقط، فخطبها داود على خطبته وتزوجها، وكان ذلك كله جائزاً في شرعه، وإنما عاتبه الله لرفعة قدره، وللسيد أن يعاقب عبده على ما يقع منه، وإن كان جائزاً، من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين. قوله: ﴿ وَلاَ تُشْطِطْ ﴾ العام على ضم التاء من أشطط إذا تجاوز الحد، وقرئ شذوذاً تشطط بفتح الناء وضم الطاء، وتشط من أشط رباعياً، إلا أنه أدغم، وتشطط من شطط وتشاطط. قوله: ﴿ إِنَّ هَذَآ أَخِي ﴾ إلخ، مرتب على مقدر تقديره: فقال لهما داود تكلما، فقال أحدهما: إن هذا أخي، إلخ. قوله: (أي على ديني) أي فليس المراد أخوة النسب. لأن الملائكة لا يلدون، ولا يوصفون بذكورة ولا أنوثة. قوله: (يعبر بها عن المرأة) أي يكنى بها عن المرأة لسكونها وعجزها، وقد يكنى عنها بالبقرة والناقة. قوله: (أي اجعلني كافلها) هذا هو معناه الأصلي، والمراد هنا ملكنيها وانزل لي عنها. قوله: ﴿ وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ ﴾ أي فهو أصح مني في الكلام، فالغلبة له علي لضعفي. قوله: (وأقره الآخر) أي المدعى عليه، وهو جواب عما يقال: كيف حكم داود، ولم يسمع شيئاً من المدعى عليه؟ فأجيب: بأنه سمع منه الإقرار والاعتراف. قوله: ﴿ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ ﴾ من أضافة المصدر لمفعوله والفاعل محذوف، أي بأن سألك نعجتك. قوله: (ليضمها) أشار بذلك إلى أنه ضمن السؤال معنى الإضافة والضم. قوله: ﴿ ٱلْخُلَطَآءِ ﴾ (الشركاء) أي الذين خلطوا أموالهم، وفيه إشارة إلى أن داود ساير ظاهر دعواهم. قوله: ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ استثناء متصل. قوله: (فتنبه داود) أي علم أنهما يريدانه بهذا التعريض. قوله: ﴿ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ ﴾ ما زائدة، والمعنى وظن داود أنا فتناه فتنيه ولاحظ، والظن هنا بمعنى اليقين كما أشار له المفسر. قوله: ﴿ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ ﴾ أي طلب منه المغفرة، وتقدم أنه ليس بذنب، وإنما هو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين. قوله: (أي ساجداً) عبر بالركوع عنه، لأن كلاً منهما فيه انحناء. قوله: ﴿ وَأَنَابَ ﴾ أي رجع إلى مولاه، قال المفسرون: سجد داود أربعين يوماً لا يرفع رأسه إلا لحاجة، أو لوقت صلاة مكتوبة، ثم يعود ساجداً إلى تمام الأربعين يوماً، لا يأكل ولا يشرب وهو يبكي، حتى نبت العشب حول رأسه، وهو ينادي ربه عز وجل ويسأله التوبة، وكان من دعائه في سجوده: سبحان الملك الأعظم الذي يبتلي الخلق بما يشاء، سبحان خالق النور، سبحان الحائل بين القلوب، سبحان خالق النور إليه خليت بيني وبين عدوي إبليس فلم أقم لفتنته إذ نزلت بي، سبحان خالق النور، إلهي أنت خلقتني وكان في سابق علمك ما أنا إليه صائر، سبحان خالق النور، إلهي الويل لداود إذا كشف عنه الغطاء فيقال هذا داود الخاطئ، سبحانه خالق النور، إلهي بأي عين أنظر إليك يوم القيامة، وإنما ينظر الظالمون من طرف خفي، سبحان خالق النور، إلهي يأي قدم أقدم أمامك يوم القيامة يوم تزل أقدام الخاطئين، سبحان خالق النور، إلهي من أين يطلب العبد المغفرة إلا من عند سيده، سبحان خالق النور، إلهي أنا لا أطيق حر شمسك فكيف أطبق حر نارك، سبحان خالق النور، إلهي أنا لا أطلق صوت رعدك فكيف أطيق صوت جهنم، سبحان خالق النور، إلهي الويل لداود من الذنب العظيم الذي أصابه، سبحان خالق النور، إلهي كيف يستر الخاطئون بخطاياهم دونك وأنت تشاهدهم حيث كانوا، سبحان خالق النور، إلهي قد تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، سبحان خالق النور، إلهي اغفر لي ذنوبي ولا تباعدني من رحمتك لهواني، سبحان خالق النور، إلهي أعوذ بك بوجهك الكريم من ذنوبي التي أوبقتني، سبحان خالق النور، إلهي ففررت طغليك بذنوبي واعترفت بخطيئتي فلا تجعلني من القانطين ولا تحزني يوم الدين، سبحان خالق النور. قيب: مكث داود أربعين يوماً، لا يرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموع عينيه حتى غطى رأسه، فنودي يا داود أجائع أنت فتطعم؟ أظمآآن أنت فتسقى؟ أمظلوم أنت فتنصر؟ فأجيب في غير ما طلب، ولم يجبه في ذكر خطيئته بشيء، فحزن حتى هاج ما حوله من العشب فاحترق من حرارة جوفه، ثم أنزل الله تعالى له التوبة والمغفرة بقوله: ﴿ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ ﴾ وقد ورد أنه لما قبل الله توبته، بكى على خطيئته ثلاثين سنة، لا يرقأ دمعه ليلاً ولا نهاراً، وكان سنه إذ ذاك سبعين سنة، فقسم الدهر على أربعة: يوم للقضاء، ويوم لنسائه، ويوم يسيح في الجبال والفيافي والسياحة، ويوم يخلو في دار له فيها أربعة آلاف محراب، فيجتمع إليه الرهبان، ينوح معهم على نفسه، فإذا كان يوم سياحته، خرج إلى الفيافي ويرفع صوته بالبكاء، فتبكي معه الأشجار والرمال والطيور والوحوش، حتى يسيل من دموعهم مثل الأنهار، ثم يجيء إلى الساحل فيرفع صوته بالبكاء، فتبكي معه دواب البحر وطير الماء، فإذا كان يوم من نوحه على نفسه نادى مناديه: إن اليوم يوم نوح داود على نفسه، فليحضره من يساعد ويدخل الدار التي فيها المحاريب، فيبسط فيها ثلاثة فرش من مسوح حشوها ليف فيجلس عليها، ويجيء أربعة آلاف راهب فيجلسون في تلك المحاريب، فيبسط فيها ثلاثة فرش من مسوح حشوها ليف فيجلس عليها، ويجيء أربعة آلاف راهب فيجلسون في تلك المحاريب، ثم يرفع داود عليه السلام صوته بالبكاء والرهبان معه فلا يزال يبكي حتى يغرق الفرش من دموعه، ويقع داود فيها مثل الفرخ يضطرب، فيجيء ابنه سليمان فيحمله، وقد ورد أيضاً أنه لما تاب الله على داود قال: يا رب غفرت لي فكيف لي أن أنسى خطيئتي فاستغفر منها وللخاطئين إلى يوم القيامة، فوسم الله خطيئته في يده اليمنى، فما رفع فيها طعاماً ولا شراباً إلا بكى إذا رآها، وما قام خطيباً في الناس إلا وبسط راحته فاستقبل بها الناس ليروا وسم خطيئته، وكان يبدأ إذا دعا واستغفر للخاطئين قبل نفسه، وكان قبل الخطيئة يقوم نصف الليل، ويصوم نصف الدهر، فلما كان من خطيئته ما كان، صام الدهر كله وقام الليل كله، وكان إذا ذكر عقاب الله تعالى انخلعت أوصاله، وإذا ذكر رحمة الله تراجعت ١. هـ ملخصاً.


الصفحة التالية
Icon