قوله: ﴿ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ ﴿ إِلاَّ ﴾ أداة حصر، وإن وما دخلت عليه في تأويل مصدر نائب فاعل يوحى، والتقدير: ما يوحى إلي إلا كوني نذيراً مبيناً، والحصر فيه وفي قوله:﴿ إِنَّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ ﴾[ص: ٦٥] اضافي، والمعنى لا ساحر ولا كذاب كما زعمتم. قوله: ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ ﴾ ظرف معمول لمحذوف قدره المفسر بقوله: (اذكر) ويصح أن يكون بدلاً من قوله:﴿ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾[ص: ٦٩] إن حمل الاختصام على ما حصل في شأن آدم فقط، وإما إن جعل عاماً، فلا يصح جعله بدلاً منه، بل ظرف لمحذوف. قوله: ﴿ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً ﴾ أي انساناً ظاهر البشر أي الجلد، ليس على جلده صوف ولا شعر ولا وبر ولا ريش ولا قشر. قوله: (أجريت) ﴿ فِيهِ مِن رُّوحِي ﴾ أشار بذلك إلى أنه ليس المراد بالنفخ حقيقته لاستحالته على الله تعالى، وإنما هو لتمثيل لإفاضة ما به الحياة بالفعل على المادة القابلة لها. قوله: (والروح جسم لطيف) إلخ، هذا هو قول جمهور المتكلمين وهو الأصح، وقيل: إن الروح عرض، وهي الحياة التي صار الجسم بها حياً، وقيل: إنها ليست بجسم ولا عرض، بل هي جوهر مجرد قائم بنفسه، له تعلق بالبدن للتدبير والتحريك، غير داخل فيه ولا خارج عنه، وهو قول بعض الفلاسفة. قوله: (بنفوذه فيه) أي سريانه فيه؛ كسريان الماء في العود الأخضر. قوله: ﴿ فَقَعُواْ ﴾ الفاء واقعة في جواب إذا. قوله: (سجود تحية بالانحناء) جواب عما يقال: كيف جاز السجود لغير الله تعالى؟ وتقدم قول بأنه كان سجوداً حقيقة بالجباه. وتقدم الجواب عنه، بأن محل كون السجود لغير الله تعالى؟ وتقدم قول بأنه كان سجوداً حقيقة بالجباه. وتقدم الجواب عنه، بأن محل كون السجود لغير الله غير جائز، ما لم يأمر به المولى تعالى، أو يقال: إن السجود لله تعالى، وآدم جعل كالقبلة. قوله: ﴿ فَسَجَدَ ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾ إلخ، قيل: أول من سجد لآدم جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم عزرائيل ثم الملائكة المقربون، وكان السجود يوم الجمعة من وقت الزوال إلى العصر، وقيل مائة سنة، وقيل خمسمائة سنة. قوله: (فيه تأكيدان) أي فكل منهما يفيد ما أفاد الآخر، وقيل: إن كل للإحاطة، و ﴿ أَجْمَعُونَ ﴾ للاجتماع، فأفاد أنهم سجدوا عن آخرهم، وأنهم سجدوا جميعاً في وقت واحد غر متفرقين في أوقات. قوله: (كان بين الملائكة) أشار بذلك إلى أن الاستثناء منقطع وهو الحق، وتقدم تحقيق ذلك. قوله: (في علم الله) أي أن الله تعالى علم في الأزل أنه يكفر فيما لا يزال، وكان مسلماً عابداً، طاف بالبيت أربعة عشرة ألف عام، وعيد الله ثمانين ألف عام. قوله: (أي توليت خلقه) أي بذاتي من غر واسطة أب وأم، وتثنية اليد إظهاراً لكمال الاعتناء بخلقه عليه السلام. قوله: ﴿ أَسْتَكْبَرْتَ ﴾ (الآن) إلخ، أشار المفسر إلى جواب سؤال وارد وهو أن قوله: ﴿ مِنَ ٱلْعَالِينَ ﴾ معناه المتكبرين، فيلزم عليه التكرار، فأجاب: بأن المعنى أتركت السجود لاستكبارك الحادث، أم لاستكبارك القديم. قوله: ﴿ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ ﴾ هذا جواب من إبليس لم يطابق الاستفهام السابق، لأنه أجاب بأنه إنما ترك السجود، لكونه خيراً منه، وبين ذلك بأن أصله من النار، وأصل آدم من الطين، والنار أشرف من الطين، لكون النار نورانية، والطين من الأرض وهي ظلمانية، والنوراني أشرف من الظلماني، وهذه شبهته، وقد أخطأ فيها، لأن مآل النار إلى الرماد الذي لا ينتفع به، وزيادة على ذلك، أن النوع الإنساني تشرف بأمور: الأول من جهة الفاعل المشار إليه بقوله: ﴿ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ والثاني من جهة الصورة المشار إليها بقوله: ﴿ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ﴾ ومن جهة الغاية المشار إليها بقوله:﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ ﴾[البقرة: ٣٤]؛ ولم يحصل ذلك غير النوع الإنساني، فدل على أفضليته. قوله: (أي من الجنة) إلخ، هذا الخلاف مبني على الخلاف الواقع في أمر الملائكة بالسجود لآدم، هل كان بعد دخوله الحنة أو قبله؟ فقوله: (أي من الجنة) مبني على الأول، وقوله: (أو من السماوات) مبني على الثاني، وقيل: المعنى اخرج من الخلقة التي كنت عليها أولاً، لما ورد: أن إبليس كان يفتخر بخلقته، فغير الله خلقته فاسود بعد ما كان أبيض، وقبح بعد ما كان حسناً، وأظلن بعد ما كان نورانياً، وروي أن إبليس كان رئيساً على اثني عشر ألف ملك، وكان له جناحان من زمرد أخضر، فلما طرد غيرت صورته، وجعله الله معكوساً على مثال الخنازير، ووجهه كالقردة، وهو شيخ أعور، وفي لحيته سبع شعرات مثل شعر الفرس، وعيناه مشقوقتان في طول وجهه، وأنيابه خارجة كأنياب الخنازير، ورأس كرأس البعير، وصدره كسنام الجمل الكبير، وشفتاه كشفتي الثور، ومنخراه مفتوحتان مثل كوز الحجام.


الصفحة التالية
Icon