قوله: ﴿ قُلْ يٰعِبَادِ ﴾ إلخ، أمر الله سبحانه وتعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأوامر لنفسه ولأمته، زيادة في الحث لهم على التجرد لطاعة الله تعالى، واجتناب الشكوك والأوهام. قوله: قوله: (بأن تطيعوه) أي تتمثلوا أوامره وتجتنبوا نواهيه، وهو تفسير للتقوى التي هي جعل العبد بينه وبين العذاب وقاية. قوله: ﴿ لِلَّذِينَ ﴾ خبر مقدم و ﴿ أَحْسَنُواْ ﴾ صلته، و ﴿ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا ﴾ متعلق بأحسنوا.
﴿ حَسَنَةٌ ﴾ مبتدأ مؤخر. قوله: (هي الجنة) أي بجميع ما فيها من النعيم المقيم، فهي بمعنى قوله تعالى:﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ﴾[يونس: ٢٦].
قوله: ﴿ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ ﴾ جملة من مبتدأ وخبر، وهي حالية. قوله: (فهاجروا إليها) إلخ، أشار بذلك إلى أن المراد بالأرض أرض الدنيا، والمعنى: من تعسرت عليه التقوى في محل، فليهاجر إلى محل آخر يتمكن فيه من ذلك، إذ لا عذر في التفريط أصلاً، وكانت الهجرة قبل فتح مكة شرطاً في صحة الإسلام، فلما فتحت مكة نسخ كونه شرطاً، وصارت تعتريها الأحكام، فتارة تكون واجبة، كما إذ هاجر من أرض لا أخيار بها، لأرض بها أخيار، يجتمع عليهم للإرشاد، وتكون مكروهة، كما إذا هاجر من أرض بها الأخيار وأهل العلم والصلاح، لأرض لا أخيار بها ولا علم ولا عمل، وتارة تكون محرمة، كما إذا هاجر من أرض يأمن فيها على دينه، لأرض لا يأمن فيها عليه. قوله: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ ﴾ هذا ترغيب في التقوى المأمور بها. قوله: (على الطاعات) أي أو عن المعاصي. قوله: (وما يبتلون) أي ومن جملته مفارقة الوطن المأمور بها في قوله: ﴿ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ ﴾.
قوله: ﴿ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ أي لما ورد:" تنصب الموازين يوم القيامة لأهل الصلاة والصدقة والحج؛ فيوفون بها أجورهم، ولا تنصب لأهل البلاء، بل يصب عليهم الأجر صباً حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا، أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل ". قوله: ﴿ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ ﴾ إلخ، الحكمة في هذا الأخبار، اعلام الأمة بأن يتصفوا به ويلزموه، فإن العادة أن المتصف بخلق، ثم يأمر به، أو يعرض بالأمر به ويؤثر في غيره كما قيل: حال رجل في ألف رجل، أنفع من حال ألف رجل في رجل. قوله: (من هذه الأمة) جواب عما يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس أول المسلمين مطلقاً: فأجاب: بأن الأولية بحسب سبق الدعوة. قوله: ﴿ قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ ﴾ سبب نزولها: أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ما حملك على هذا الذي أتيتنا به، ألا تنظر إلى ملة أبيك وجدك وقومك فتأخذ بها؟ فنزلت، فالمقصود منها زجر الغير عن المعاصي، لأنه صلى الله عليه وسلم إذا كان خائفاً مع كمال طهارته وعصمته، فغيره أولى، وذلك سنة الأنبياء والصالحين، حيث يخبرون غيرهم بما هم متصفون به ليكونوا مثلهم، لا الملوك والمتجبرين، حيث يأمرون غيرهم بما لم يتصفوا به. قوله: (فيه تهديد لهم) أي من حيث الأمر. قوله: (وإيذان) أي إعلام.


الصفحة التالية
Icon