قوله: ﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ﴾ الخ، التعبير في هذا وما بعده بالماضي لتحقق وقوعه، أي لكونه واقعاً في علم الله تعالى أزلاً، لأ، كل ما ظهر فهو جار في سابق علمه تعالى، والنافخ اسرافيل وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره عليهم السلام، والصور بسكون الواو في قراءة العامة وهو القرن، فيه ثقب بعدد جميع الأرواح، وله ثلاث شعب: شعبة تحت الثرى تخرج منها الأرواح وتتصل بأجسادها، وشعبة تحت العرش منها يرسل الله الأرواح إلى الموتى، وشعبة في فم اسرافيل وهو ملك عظيم له جناح بالمشرق وجناح بالمغربن والعرش على كاهله، وقدماه قد نزلتا عن الأرض السفلى مسيرة مائة عام. قوله: (النفخة الأولى) ظاهر المفسر أن النفخ مرتان: نفخة الصعق، ونفخة البعث، وهو ظاهر الآية، وقيل: إن النفخ ثلاث مرات: فالنفخة الأولى تطول وتكون بها الزلزلة وتسيير الجبال وتكوير الشمس وانكدار النجوم وتسخير البحار، والناس أحياء والهون ينظرون إليها، فتذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى وهي المعنية بقوله تعالى:﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾[الحج: ١] والنفخة الثاني يكون بها الصعق، وعندها يموت كل من كان حياً حياة دنيوية، وأما من كان حياً حياة برزخية فإنه يغشى عليه، والنفخة الثالثة نفخة القيام، وبين هاتين النفختين أربعون سنة على الصحيح، لتستريح الأرض من الهول الذي حصل لها، وفي تلك المدة تمطر السماء وتنبت الأرض، ولا حي على ظهرها من سائر المخلوقات. قوله: (مات) أي ما كان حياً ف يالدنيا، ويغشى على من كان ميتاً من قبلن لكنه حي في قبره، كالأنبياء والشهداء. قوله: (من الحور) الخ، أي فهو استثناء من الصعق بمعنى الموت، ويستثنى منه بمعنى الغشي والدهش موسى عليه السلام، فإنه لا يغشى عليه، بل يبقى متيقظاً ثابتاً، لأنه صعق في الدنيا في قصة الجبل، فلا يصعق مرة أخرى. قوله: (وغيرهما) أي كجبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت، فإنهم لا يموتون بالنفخة الأولى، وإنما يموتون بين النفختين، لما" روي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا ﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ﴾ الآية فقالوا: يا نبي الله من هم الذين استثنى الله تعالى؟ قال: " هم جبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت، فيقول الله لملك الموت: يا ملك الموت من بقي من خلقي وهم أعلمن فيقول: يا رب بقي جبريل وميكائيل واسرافيل وعبد الضعيف ملك الموتن فيقول الله تعالى: خذ نفس اسرافيل وميكائيل، فيخران ميتين كالطود العظيمين، فيقول: مت يا ملك الموت، فيموت، فيقول الله لجبريل: يا جبريل من بقي؟ فيقول: تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام، وجهك الباقي الدائم، وجبريل الميت الفاني، فيقول الله تعالى: يا جبريل لا بد من موتك، فيقع ساجداً يخفق بجناحيه يقول: سبحانك ربي تباركت وتعاليت، يا ذا الجلال والإكرام ". قوله: ﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ ﴾ أي بعد أربعين سنة على الصحيح، وقرب نفخة القيام، تأتي سحابة من تحت العرش، فتمطر ماء خائراً كالمني، فتنبت أجسام الخلائق كما تنبت البقل فتتكامل أجسامهم، وكل ابن آدم تأكله الأرض، إلا عجب الذنب، فإنه يبقى مثل عين الجرادة لا يدركه الطرف، فتركب عليه أجزاؤه، فإذا تم وتكامل، نفخ فيه الروح، ثم انشق عنه القبر، ثم قام خلقاً سوياً، وفي النفخة الثانية يقولك أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، والأعضاء المتمزقة، والشعور المنتثرة، إن الله المصور الخالق يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء، فيجتمعن، ثم ينادي: قوموا للعرض على الجبار فيقومون، كما قال تعالى:﴿ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾[القمر: ٧] فإذا خرجوا من قبورهم تتلقى المؤمنون بمراكب من رحمة الله، كما قال تعالى:﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً ﴾[مريم: ٨٥] ويمشي المجرمون على أقدامهم حاملين أوزارهم، كما قال تعالى:﴿ وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً ﴾[مريم: ٨٦] وفي الآية الأخرى﴿ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ﴾[الأنعام: ٣١].
قوله: ﴿ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ ﴾ بالرفع في قراءة العامة خبر عن الضمير، وقرئ شذوذاً بالنصب على الحال، وخبر الضمير. قوله: ﴿ يَنظُرُونَ ﴾.
قوله: (ما يفعل بهم) أي من الحساب والمرور على الصراط، وإدخالهم الجنة أو النار.