قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ ﴾ مبتدأ، أي الاسم الموصول مبتدأ، و ﴿ يَحْمِلُونَ ﴾ صلته، وقوله: ﴿ وَمَنْ حَوْلَهُ ﴾ اسم الموصول معطوف على الموصول قبله، و ﴿ حَوْلَهُ ﴾ صلته، والتقدير والذين حوله، وليس معطوفاً على الضمير في ﴿ يَحْمِلُونَ ﴾ لإيهامه أن من حوله حامل أيضاً. واعلم أن حملة العرش أعلى طبقات الملائكة، وأولهم وجوداً، وهم في الدنيا أربعة، وفي يوم القيامة ثمانية، ورد: أن لكل ملك منهم وجه رجل، ووجه أسد، ووجه ثور، ووجه نسر، وكل وجه من الأربعة يسأل الله الرزق لذلك الجنس، ولكل واحد منهم أربعة أجنحة، جناحان على وجه مخافة أن ينظر إلى العرش فيتصدع، وجناحان يصفق بهما بالهواء، يروى أن أقدامهم في تخوم الأرض السفلى والأرضون والسماوات إلى حجزهم، ورؤوسهم خرق العرش، وهم خشوع لا يرفعون أطرافهم، وهم أشد خوفاً من أهل السابعة، وأهلها أشد خوفاً من أهل السادسة وهكذا، والعرش جوهرة خضراء، وهو أعظم من المخلوقات خلقاً، ويكسى كل يوم ألف لون من النور. قوله: ﴿ وَمَنْ حَوْلَهُ ﴾ أي وهم الكروبيون سادات الملائكة، قال وهب: إن حول العرش سبعين ألف صف من الملائكة، صف خلف صف، يطوفون بالعرش، يقبل هؤلاء ويدبر هؤلاء، يكبر فريق ويهلل فريق، ومن وراء هؤلاء سبعون ألف صف قيام، أيديهم إلى أعناقهم، واضعين لها على عواتقهم، فإذا سمعوا تكبير أولئك وتهليلهم، رفعوا أصواتهم فقالوا: سبحانك اللهم وبحمدك، ما أعظمك وأجلك، أنت الله لا إله غيرك، والخلق كلهم إليك راجعون، ومن وراء هؤلاء مائة صف من الملائكة، قد وضعوا اليمنى على اليسرى، ليس منهم أحد إلا يسبح بتسبيح لا يسبحه الآخر، ما بين جناحي أحدهم ثلاثمائة عام، وما بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه أربعمائة. قوله: (أي يقولون سبحان الله وبحمده) أي لما ورد: أن حملة العرش، يكونون يوم القيامة ثمانية، أربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على علمك وحلمك، وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك. قوله: (ببصائرهم) جواب عما يقال: إن وصفهم بالتسبيح، يغني عن وصفم بالإيمان، فما فائدة ذكره عقبه؟ فأجاب: بأن التسبيح من وظائف اللسان، والإيمان من وظائف القلب، فأفاد فائدة لم تكن في الأول، فذكره الاعتناء بشأنه. قوله: ﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ أي يطلبون المغفرة لهم. وحكمة طلبهم المغفرة لهم، أنهم تكلموا في بني آدم حيث قالوا:﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ ﴾[البقرة: ٣٠]؟ فلما وقع منهم ذلك، أمرهم الله بالاستغفار لهم جبراً لما وقع عنهم، ففيه تنبيه على أن من تكلم في غيره، ينبغي له أن يستغفر ربه. قوله: (ويقولون) أي في كيفية الاستغفار لهم، وهذه الجملة المقدرة، حال من ضمير ﴿ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾.
قوله: ﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ ﴾ الخ، قدم هذا بين يدي الدعاء، توطئة للإشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يدعو الله تعالى، وهو موقن بالإجابة، ولا يتردد في الدعاء، فإنه مانع من الإجابة قوله: ﴿ رَّحْمَةً وَعِلْماً ﴾ قدم الرحمة على العلم، لأن المقام للدعاء، والرحمة مقصودة فيه بالذات، وإلا فالعلم سابق عليها. قوله: (من الشرك) أي إن كان عليهم ذنوب. قوله: ﴿ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ ﴾ أي بأن آمنوا. قوله: ﴿ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ ﴾ أي اجعل بينهم وبينه وقاية تمنعهم منه، بأن توقفهم لصالح الأعمال. قوله: ﴿ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ ﴾ الخ، أي بأن مات على غير الكفر، فيدخل فيه أهل الفترة والجنون. قوله: ﴿ وَأَزْوَاجِهِمْ ﴾ أي زوجاتهم لما ورد: إذا دخل المؤمن الجنة قال: أين أبي؟ أين أمي؟ أين ولدي؟ أين زوجتي؟ فيقال: إنهم لم يعملوا عملك، فيقول: إني كنت أعمل لي ولهم، فيقال: أدخلوهم، فإذا اجمتمع بأهله في الجنة، كان أكمل لسروره ولذاته. قوله: (في وأدخلهم) أي وهو أولى، لأنه يسير الدعاء لهم بالدخول صريحاً بخلافه على (وعدتهم) فإنه ضمني. قوله: ﴿ ٱلسَّيِّئَاتِ ﴾ الضمير راجع للآباء والأزواج والذرية. قوله: ﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ التنوين عوض عن جملة مأخوذة من السياق، والتقدير: يوم إذ تدخل من تشاء الجنة، ومن تشاء النار، وهو يوم القيامة. قوله: ﴿ وَذَلِكَ ﴾ أي ما ذكر من الرحمة ووقاية السيئات. قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ شروع في ذكر أحوال الكفار بعد دخولهم النار؛ إثر بيان أنهم من أصحاب النار. قوله: (وهم يمقتون أنفسهم) أي يبغضونها ويظهرون ذلك على رؤوس الأشهاد فيقول الواحد منهم لنفسه: مقتّك يا نفسي، فتقول الملائكة لم وهم في النار: لمقت الله إياكم، إذ أنتم في الدنيا، وقد بعث إليكم الرسل فلم تؤمنوا، أشد من مقتكم أنفسكم اليوم. قوله ﴿ لَمَقْتُ ٱللَّهِ ﴾: أي بغضه، والمراد لازمه وهو الانتقام والتعذيب، لأن حقيقته محالة في حق الله تعالى. قوله: (لأنهم نطفاً أموات) كذا في بعض النسخ بنصب نطفاً على الحال، والمناسب أن يقول: لأنهم كانوا أو خلقوا نطفاً، فإن الإمانة إعدام الحياة، ابتداء أو بعد سبق الحياة.