قوله: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ الدعاء في الأصل، السؤال والتضرع إلى الله تعالى في الحوائج الدنيوية والأخروية والجليلة والحقيرة، ومنه ما ورد: ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها، حتى في شسع نعله إذا انقطع، وقوله: ﴿ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ أي أحببكم فيما طلبتم، لما ورد: إذ قال العبد: يا رب، قال الله. لبيك يا عبدي. إن قلت: قوله: ﴿ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ وعد بالإجابة، ووعده لا يتخلف، مع أنه مشاهد أن الإنسان قد يدعو ولا يستجاب له. أجيب: بأن الدعاء له شروط، فإذا تخلف بعضها تخلفت الإجابة، منها: إقبال العبد بكليته على الله وقت الدعاء، بحيث لا يحصل في قلبه غير ربه، وأن لا يكون لمفاسد، وأن لا يكون فيه قطيعة رحم، وأن لا يستعجل الإجابة، وأن يكون موقناً بها، فإذا كان الدعاء بهذه الشروط، كان حقيقاً بالإجابة، فإما أن يجعلها له، وإما أن يؤخرها له، فالإجابة على مراده تعالى، وحينئذ فالذي ينبغي للإنسان أن يدعو الله تعالى، ويفوض له الأمر في الإجابة، ولذا ورد:" ما من رجل يدعو الله تعالى بدعاء إلا استجيب له، فإما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يؤخر له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، أو يستعجل، قالوا: يا رسول الله وكيف يستعجل؟ قال: يقول: دعوت فما استجاب لي "والدعاء من خصائص هذه الأمة، لما حكي عن كعب الأحبار قال: أعطيت هذه الآمة ثلاثاً، لم يعطهن أمة قبلهم إلا نبي، كان إذا أرسل نبي، قيل: له: أنت شاهد على أمتك، وقال تعالى لهذه الأمة﴿ لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ ﴾[البقرة: ١٤٣] وكان يقال للنبي: ليس عليك في الدين من حرج، وقال تعالى لهذه الأمة﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾[الحج: ٧٨] وكان يقال للنبي: ادعني أستجب لك، وقال لهذه الأمة ﴿ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ وقد يطلق الدعاء على مطلق العبادة مجازاً، من اطلاق الخاص وأراده العام، وهما تفسيران للدعاء والفقر والمسكنة، والدعاء مشعر بذلك. قوله: (بقرينة ما بعده) أي وهو قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ﴾ الخ، فتحصل أن في الآية تفسيرين: أحدهما حقيقة، والثاني مجاز، اختار المفسر الثاني لوجود القرينة، ويصح إرادة الحقيقة لأنها الأصل. قوله: (بفتح الياء وضم الخاء) أي والقراءتان سبعيتان. قوله: (صاغرين) أي أذلاء، فمن أنف واستكبر في الدنيا، ألبس ثوب الذل في الآخرة، ومن تواضع وتذلل في الدنيا، ألبس ثوب العز والفخر في الآخرة، فباب الذل والانكسار من أعظم أبواب الموصلة إلى الله تعالى، لما حكي عن سيدي أحمد الرفاعي أنه قال: طرقت الأبواب الموصلة إلى الله تعالى فوجدتها مزدحمة، إلا باب الذل والانكسار، وورد أن داود سأل ربه فقال: يا ربنا كيف الوصول إليك؟ قال: يا داود خلّ نفسك وتعال. قوله: ﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ ﴾ الخ، هذا من جملة الأدلة على باهر قدرته تعالى كأنه قال: لا يليق منكم أن تتركوا عبادة من هذه أفعاله. قوله: (مجازي) أي عقلي من اسناد الفيء إلى زمانه. قوله: ﴿ لَذُو فَضْلٍ ﴾ أي جود وإحسان. قوله: ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ ﴾ أي وهم الكفار، وكان حقاً على الناس جميعهم أن يشكروا الله تعالى ويوحدوه. قوله: ﴿ ذَٰلِكُمُ ﴾ الإشارة مبتدأ، و ﴿ ٱللَّهُ ﴾ و ﴿ رَبُّكُمْ ﴾، و ﴿ خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ و ﴿ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ أخبار أربعة له. قوله: ﴿ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ﴾ من الإفك بفتح الهمزة وهو الصرف، وأما الإفك بالكسر فهو الكذب. قوله: ﴿ كَذَلِكَ يُؤْفَكُ ﴾ الخ، هذا تسلية له صلى الله عليه وسلم، والمعنى لا تحزن يا محمد فلا خصوصية لأمتك، بل من قبلهم كذلك. قوله: (أفك) ﴿ ٱلَّذِينَ ﴾ بضم الهمزة فعل ماض مبني للمجهول، وأشار بذلك إلى أن المضارع بمعنى الماضي، وأتى به مضارعاً استحضاراً للصورة الغريبة.


الصفحة التالية
Icon