قوله: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ ﴾ الضمير عائد على كفار مكة، والمعنى: سنري كفار مكة دلائل قدرتنا حال كونها في الآفاق، جمع أفق كأعناق وعنق، ويقال أفق بفتحتين، كعلم وأعلام. قوله: (من النيرات) أي الشمس والقمر والنجوم، وقوله: (والأشجار والنبات) أي والرياح والأمطار والجبال والبحار، وغير ذلك من العجائب العلوية والسفلية. قوله: ﴿ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ ﴾ أي كخلقهم أولاً، نطقاً ثم علقاً ثم مضغاً ثم عظاماً، ثم بعد تمام مدتهم في البطون، يخرجهم إلى فضاء الدنيا ضعافاً، ثم يعطيهم القوة شيئاً فشيئاً وهكذا، واستشكل ظاهر الآية، بأن السين تدل على تخليص المضارع للاستقبال، مع أنهم مشاهدون هذه الآيات في الحال. أجيب: بأن الكلام على حذف مضاف، والتقدير سنريهم عواقب آياتنا وأسرارها، ففيه وعد للمعتبر، ووعيد لغيره، لأن حكمة هذه الآيات، النظر والتأمل والاعتبار، فمن اعتبر بهذه الآيات فقد سعد، ومن تركه فقد شقي. قوله: (من لطيف الصنعة وبديع الحكمة) من ذلك ما خلقه وأبدعه في نفس الإنسان، كالأكل والشرب، يدخل من مكان واحد، ويتميز ذلك خارجاً من مكانين مختلفين، لا يختلط أحدهما بالآخر، وبالبصر فإنه ينظر به السماء من الأرض مسيرة خمسمائة عام، والسمع فإنه يفرق به بين الأصوات المختلفة، وغير ذلك، وهذا ما قرر به المفسر الآية. وهناك احتمالات أخر منها: أن المراد بالآيات ما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوادث الآنية، والمراد بالآفاق فتح القرى له ولخلفائه من بعده، الذي لم يتيسر مثله لأحد من خلفاء الأرض قبلهم، والمراد بأنفسهم فتح مكة وملكهم، وقد تحقق ذلك لرسول الله وخلفائه من بعده، ومنها: أن المراد بالآيات وقائع الأمم السابقة، والمراد بأنفسهم ما حصل لهم يوم بدر من القتل والأسر، ومنها غير ذلك. قوله: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ ﴾ إلخ، الهمزة داخلة على محذوف، والواو عاطفة عليه، والتقدير: أتحزن على إنكارهم ومعارضتهم لك، ولك يكفك ربك؟ والاستفهام انكاري، والباء زائدة في الفاعل، والمفعول محذوف تقديره يكفك، وإن وما دخلت عليه في تأويل مصدر بدل من الفاعل، بدل كل من كل، والمعنى: أتحزن على كفرهم، ولم يكفك شهادة ربك لك وعليهم؟ والمفسر قرر الآية بتقرير آخر، والمؤدى واحد، حيث جعل الآية إخباراً عن حالهم، وعليه فالمعنى: ألم يعتبروا؟ أو لم يكفهم شهادة ربك لك بالصدق، وعليهم بالتكذيب؟ قوله: (لأنكارهم البعث) أي بألسنتهم، والمعنى: أن الدليل لنا على كونهم في شك من لقاء ربهم، إنكارهم بألسنتهم للبعث، ولا يقال: إن عندهم جزماً في قلوبهم بعدم البعث، لأننا نقول: لا دليل لهم عليه، حتى يحصل الجزم بالأوهام، أو وساوس شيطانه، والحجة القطعية إنما هي على البعث، وهكذا سائر عقائد الكفر فتدبر. قوله: ﴿ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ ﴾ تسلية له صلى الله عليه وسلم والمعنى: لا تحزن على كفرهم، فإن الله محيط بكل شيء، فلا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ومن لازمه أنه يجازيهم، فلذلك قال المفسر: (فيجازيهم).


الصفحة التالية
Icon