قوله: ﴿ يُوحِيۤ إِلَيْكَ ﴾ جمهور القراء على أنه بالياء مبنياً للفاعل والله فاعله، وقرأ ابن كثير بالبناء للمفعول، ونائب الفاعل إما ضمير عائد على ﴿ كَذَلِكَ ﴾ أو الجار والمجرور، وقوله: ﴿ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ فاعل بفعل محذوف كأنه قيل من يوحيه؟ فقيل: يوحيه الله، نظير﴿ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ * رِجَالٌ ﴾[النور: ٣٦-٣٧] وقرئ شذوذاً بالنون مبنياً للفاعل، ولفظ الجلالة بدل من الضمير في نوحي الواقع فاعلاً. قوله: ﴿ وَ ﴾ (أوحى) ﴿ إِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ﴾ أشار بذلك إلى أن يوحي مستعمل في حقيقته ومجازه، فهو مستعمل في المستقبل، بالنظر لما لم ينزل عليه من القرآن حينئذ، وفي الماضي بالنظر لما أنزل عليه بالفعل، وبالنظر لما أنزل على الرسل السابقين. قوله: (فاعل الإيحاء) أي على قراءة الجمهور، وأما على قراءة البناء للمفعول، فهو فاعل بفعل محذوف، وعلى قرارة النون، فهو بدل من ضمير نوحي. قوله: ﴿ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ﴾ أي المنزه عن صفات خلقه. قوله: ﴿ ٱلعَظِيمُ ﴾ أي المنفرد بالكبرياء والعظمة. قوله: (بالنون) إلخ، ظاهره أن القراءات أربع، من ضرب اثنتين في اثنتين، وليس كذلك، بل هي ثلاث فقط سبعيات، لأن من قرأ ﴿ تَكَادُ ﴾ بالتاء الفوقية، يجوز في ﴿ يَتَفَطَّرْنَ ﴾ الوجهين، ومن قرأ (يكاد) بالياء التحتية لا يقرأ يتفطرن إلا بالتاء مع التشديد. قوله: (أي تنشق كل واحدة) أي تسقط السابعة فوق السادسة، والسادسة فوق الخامسة، وهكذا، إلى أن يسقط الجميع فوق الأرض﴿ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً ﴾[مريم: ٩٠] والتقييد بالفوقية أبلغ، في مزيد الهيبة والجلال. قوله: (فوق التي تليها) أشار بذلك إلى أن الضمير في ﴿ فَوْقِهِنَّ ﴾ عائد على ﴿ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ﴾ ويصح عوده على فوق الكفار والمشركين، أو على الأرضين لتقدم ذكر الأرض. قوله: (من عظمته تعالى) أي فالسماوات تكاد تنشق والمشركين، أو على الأرضين لتقدم ذكر الأرض. قوله: (من عظمته تعالى) أي فالسماوات تكاد تنشق وتخر، خوفاً من الجلال الناشئ على قولهم﴿ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً ﴾[البقرة: ١١٦] يدل على ذلك ما تقدم في سورة مريم. قوله: ﴿ وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ ﴾ إلخ، هذا كلام مستأنف سيق لبيان فضل بني آدم. قوله: (من المؤمنين) أي والمراد بالملائكة حملة العرش ومن حوله، بدليل ما تقدم في غافر، فحمل المطلق على المقيد، وقيل: المراد مطلق الملائكة وبمن في الأرض العموم، فيشمل جميع الحيوانات، والمراج بالاستغفار طلب الأرزاق ودفع البلاء، وكل صحيح، ولذلك قال بعض العارفين: أنصح عباد الله لعباد الملائكة، وأغش عباد الله لعباد الله الشياطين. قوله: ﴿ أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ ﴾ إلخ.
﴿ أَلاَ ﴾ أداة استفتاح يؤتى بها لتأكيد ما بعدها، وقد وصف سبحانه وتعالى نفسه بالمغفرة والرحمة، وأكد بألا الاستفتاحية، و ﴿ إِنَّ ﴾ والجملة الاسمية تفضلاً منه وإحساناً، للإشارة إلى أن رحمته غلبت غضبه. قوله: (أي الأصنام) تفسير للمفعول الأول فهو محذوف، والثاني هو قوله: ﴿ أَوْلِيَآءَ ﴾ والمعنى: والذين اتخذوا الأصنام آلهة معبودة قائلين﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ ﴾[الزمر: ٣] يدل عليه الآية الأخرى، وأما الأولياء بمعنى المتولين خدمة ربهم، وتولاهم بمحبته ومعرفته، فمحبتهم والتعلق بهم من جملة طاعة الله، لأنهم الوسيلة لنا إلى الله ورسوله، وليست محبتنا لهم، وتوسلنا بهم شركاً، إلا إذا كانت على وجه العبادة كالسجود مثلاً، واعتقاد أنهم يؤثرون بذواتهم في نفع أو ضر، خلافاً للخوارج الضالين المضلين، حيث زعموا أن كل من توسل إلى الله بأحد سواه فهو مشرك. قوله: ﴿ ٱللَّهُ حَفِيظٌ ﴾ أي ضابط لهم ولأعالهم، فلا يغيب عنه شيء منها، ولا يفلتون منه، فهذه الآية توبيخ للكفار، وتسلية له صلى الله عليه وسلم.