قوله: ﴿ شَرَعَ لَكُم ﴾ الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى بين لكم وجعل لكم ديناً قوياً واضحاً، تطابقت على صحته الأنبياء والرسل من قبل، وهو تفصيل لما أجمل أولاً في قوله:﴿ كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ﴾[الشورى: ٣].
قوله: ﴿ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً ﴾ إلخ، خص هؤلاء بالذكر، لأنهم أكابر الأنبياء، وأولي العزم وأصحاب الشرائع المعظمة المستقلة المتجددة، فكان كل من هؤلاء الرسل له شرع جديد، وأما من عداهم من الرسل، إنما كان يبعث بتبليغ شرع ما قبله، فمن بين نوح وإبراهيم، وهما هود وصالح، بعثا بتبليغ شرع نوح، ومن بين إبراهيم وموسى، بعثوا بتبليغ شرع إبراهيم، وكذا من بين موسى وعيسى، بعثوا بتبليغ شرع موسى، وإنما يذكر من قبلهم، لأنه لم يكن قبل نوح أحكام مشروعة، لأن آدم كان شرعه التوحيد، ومصالح المعاش، واستمر الأمر إلى نوحن فبعثه الله تعالى بتحريم الأمهات والبنات والأخوات، ووظف عليه الواجبات، وأوضح له الآداب والديانات، ولم يزل ذلك الأمر يتأكد بالرسل، ويتناصر بالأنبياء، واحداً بعد واحد وشريعة إثر شريعة، حتى ختمها الله بخير الملل ملتنا، على لسان أكرم الرسل نبينا صلى الله عليه وسلم، فتبين بهذا أن شرعنا معشر الأمة المحمدية، قد جمع جميع الشرائع المتقدمة. قوله: (هو أول أنبياء الشريعة) أي فهذا حكمه بدئه بنوح، وأيضاً لتقدمه في الزمان. قوله: ﴿ وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ﴾ أتى بالاسم الموصول الذي هو أصل الموصولات، وعبر في جانبه صلى الله عليه وسلم بالإيحاء، تعظيماً لشأنه، ورداً على المشركين المنكرين بعثته صلى الله عليه وسلم حيث قالوا: لست مرسلاً. قوله: ﴿ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ ﴾ الأوضح أن ﴿ أَنْ ﴾ تفسيرية بمعنى أي، ويصح أن تكون مصدرية، إما في محل رفع خبر لمحذوف تقديره هو إقامة الدين، أو في محل نصب بدل من مفعول ﴿ شَرَعَ ﴾ والمراد بإقامة الدين، تعديل أركانه وحفظه والمواظبة عليه. قوله: (وهو التوحيد) بيان للمراد من الدين الذي اشترك فيه هؤلاء الرسل، وأما قوله: ﴿ وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ﴾ فهو أعم من ذلك، فإن المراد به جميع الشريعة أصولاً وفروعاً، وإنما اقتصر على التوحيد، لأنه رأس الدين وأساسه. قوله: ﴿ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ أي شق عليهم. قوله: (من التوحيد) اقتصر عليه لأنه عماد الدين، وإلا فما يدعوهم إليه عام، يشمل جميع الأصول والفروع. قوله: ﴿ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ ﴾ من الاجتباء وهو اصطفاء الله العبد وتوفيقه لما يرضاه، وتخصيصه بالفيوضات الربانية. قوله: ﴿ مَن يُنِيبُ ﴾ ضمنه معنى يقبل أو يميل، فعداه بإلى. قوله: ﴿ وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ ﴾ الضمير عائد على أهل الأديان المتقدمين، من أول الزمان إلى آخره، كما قال المفسر، والمراد بأن أهل الأديان أمم الأنبياء المتقدمين، كأمة نوح، وأمة هود، وأمة صالح وغيرهم، وأخذ المفسر العموم من مجموع روايات عن ابن عباس وغيره، ففي رواية عنه أن المراد بهم قريش، والمراد بالعلم محمد، دليله قوله تعالى:﴿ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ ﴾[البقرة: ٨٩] وقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً ﴾ [فاطر: ٤٢] وفي رواية عنه: أن المراد بهم أهل الكتاب بدليل قوله:﴿ وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ ﴾[البينة: ٤] وفي رواية غيره، أن المراد أمم الأنبياء المتقدمين. قوله: ﴿ ٱلْعِلْمُ ﴾ (والتوحيد) أي بأن قامت عليهم الحجج والبراهين من النبي المرسل إليهم. قوله: ﴿ بَغْياً ﴾ مفعول لأجله، أي تفرقوا من أجل حصول البغي بينهم الذي هو الحسد والعناد في الكفر. قوله: (بتأخير الجزاء) أي إلى يوم القيامة، وأما الدنيا فليست دار جزاء لشقي ولا سعيد. إن قلت: إن كفار الأمم الماضية، قد نزل بهم أنواع العذاب كالصيحة والخسف والمسخ وغير ذلك. أجيب: بأنه ليس بجزاء، بل هو علامة الجزاء والخزي. قوله: ﴿ أُورِثُواْ ﴾ فعل مبني للمفعول والفاعل الله تعالى. قوله: (وهم اليهود والنصارى) تفسير للذين أورثوا الكتاب، وحينئذ فالمراد بالكتاب التوراة والإنجيل، والضمير في ﴿ بَعْدِهِمْ ﴾ عائد على أصولهم المتفرقين في الحق، وقيل: معنى ﴿ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ من قبلهم، ويكون الضمير حينئذ عائداً على مشركي مكة، وقيل: المراد بالذين أورثوا بالكتاب بالتوراة والإنجيل، والضمير في ﴿ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ عائد على أصولهم المتفرقين في الحق، وقيل: والضمير في ﴿ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ عائد على اليهود والنصارى. قوله: ﴿ لَفِي شَكٍّ ﴾ المراد به هنا مطلق التردد والتحير. قوله: (موقع في الريبة) أي الشبهات والضلالات.


الصفحة التالية
Icon