قوله: ﴿ لَبَغَوْاْ ﴾ (جميعهم) دفع بذلك ما يقال: إن البغي حاصل بالفعل فكيف يصح انتفاؤه؟ فأجاب: بأن اللازم المنتفي هو بغي جيمعهم، والملزوم بسط الرزق للجميع وإلا فبغي البعض، وبسط الرزف للبعض، حاصل في كل زمن. قوله: (أي طغوا) ﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ أي لأن الله تعالى لو سوى في الرزق بين جميع عباده، لامتنع كون البعض محتاجاً للبعض، وذلك يوجب خراب العالم وفساد نظامه، فأفعال الله تعالى لا تخلو عن مصالح، وإن لم يجب على الله فعلها وذلك يوجب خراب العالم وفساد نظامه، فأفعال فأفعال الله لا تخلو عن مصالح، وإن لم يجب على الله فعلها، فقد يعلم من حال عبد، أنه لو يبسط عليه الرزق، قاده ذلك إلى الفساد، فيزوي عنه الدنيا مصلحة له، ففي حديث أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلن فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى:" إن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسده الفقر، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسده الغنى، وإني لأدبر عبادي لعلمي بقلوبهم، فإني عليم خبير "ثم قال أنس: اللهم إني من عبادك المؤمنين الذي لا يصلحهم إلا الغنى، فلا تفقرتي برحمتك. قوله: (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (فيبسطها لبعض دون بعض) أي ويبسطها للبعض أحياناً، ويضيقها عليه أحياناً، فلا يسأل عما يفعل. قوله: ﴿ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ ﴾ تعليل لما قبله. والمعنى عليم بالبواطن والظواهر. قوله: ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ ﴾ بالتخفيف والتشديد، قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ ﴾ العامة على فتح النون، وقرئ شذوذاً بكسر النون، وبه قرئ في المتواتر، فتحصل أنه في المضارع قرئ بالوجهين قراءة سبعية، وفي الماضي لم يقرأ في السبع إلا بالفتح، والكسر قراءة شاذة، وإن كان لغة فيه. قوله: (يبسط مطره) أشار بذلك إلى أن المطر سمي باسمين: الغيث لأنه يغيث من الشدائد، والرحمة لأن رحمة وإحسان للخلق، ويصح أن يراد بالرحمة البراكات؛ أي بركات الغيث، ومنافعه في كل شيء، ومن السهل والجبل والنبات والحيوان وحينئذ فيكون عطفه على ما قبله، من عطف المسبب على السبب. قوله: (المحمود عندهم) أي وعند جميع المخلوقات، وإنما خص المؤمنين تشريفاً لهم.


الصفحة التالية
Icon