قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ ﴾ معطوف على الموصول المتقدم، وهذه الآية نزلت في الأنصار، دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان فاستجابوا له، ونقب عليهم اثني عشر نقيباً قبل الهجرة. قوله: (أجابوه إلى ما دعاهم) إلخ، أي على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشار المفسر إلى أن السين والتاء زائدتان. قوله: ﴿ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ ﴾ أي أدوها بشروطها وآدابها. قوله: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ﴾ والشورى مصدر شاورته أي شاركته في الرأي كالبشرى، وكانت الأنصار قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أمراً، تشاوروا فيه ثم عملوا عليه، فمدحهم الله تعالى به وأمر صلى الله عليه وسلم بذلك، قال تعالى:﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ ﴾[آل عمران: ١٥٩] تأليفاً لقلوب أصحابه، وذلك في الأمور الاجتهادية، كالحروب ونحوها، ولم يكن يشاورهم في الأحكام، لأنها منزلة من عند الله تعالى، وكانت الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم يتشاورون في المهمات من أمور الدين والدنيا، وأول ما تشاور فيه الصحابة الخلافة، لأن النبي لم ينص عليها، فوقع بينهم اختلاف، ثم اجتمعوا وتشاوروا فيه، فقال عمر: نرضى لدنيانا ما رضيه النبي لديننا، فوافقوه على ذلك، وبالجملة فالشورى أمرها عظيم، قال الحسن: ما تشاور قوم قط، إلا هدوا إلى أرشد أمورهم، وفي الحديث:" إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سمحاءكم، وأمركن شورى بينكم، فظهر الأرض خير لكم من باطنها، وإن كان أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاءكم، وأموركم إلى نسائكم، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها ". قوله: ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ أي في وجوه البر، وكانوا يقدمون غيرهم عليهم، قال تعالى في وصفهم:﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾[الحشر: ٩].
قوله: (ومن ذكر صنف) أي المؤمنون المتقدمون، فتحصل أن الله تعالى جعل المؤمنين صنفين، صنفاً يعفون عمن ظلمهم، وقد ذكرهم الله تعالى في قوله:﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾[الشورى: ٣٧] وصنفاً ينتقمون ممن ظلمهم، وقد ذكرهم الله في قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ ﴾.
قوله: ﴿ يَنتَصِرُونَ ﴾ هذا في الإعراب كقوله:﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾[الشورى: ٣٧] سواء بسواء، ويزيد هنا: أنه يصح أن يكون ﴿ هُمْ ﴾ توكيداً للضمير المنصوب في ﴿ أَصَابَهُمُ ﴾ وحينئذ ففيه الفصل بين المؤكد والمؤكد بالفاعل. قوله: (وهذا) أي قوله مثلها، وقوله: (من الجراحات) أي وغيرها من سائر الحقوق التي يمكن استيفاؤها. قوله: (قال بعضهم) هو مجاهد والسدي.


الصفحة التالية
Icon