قوله: ﴿ فَٱصْبِرْ ﴾ الخ، هذا تسلية له صلى الله عليه وسلم، والصبر: تلقي الشدائد بالرضا والتسليم. قوله: ﴿ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ ﴾ الكاف بمعنى مثل، صفة لمصدر محذوف، وما مصدرية، والتقدير: صبر أولي العزم. قوله: (فكلهم ذوو عزم) أي حزم وكمال وثبات وصبر على الشدائد، قوله: (وقيل) هي للتبعيض في كلامه؛ اشارة لقولين في تفسير أولي العزم، من جملة من أقوال شتى، وقيل: هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام ثمانية عشر: إبراهيم واسحاق ويعقوب واليسع ويونس ولوط. وقيل: هما اثنا عشر نبياً، أرسلوا إلى بني إسرائيل بالشام فعصوهم، فأوحى الله إلى الأنبياء: إني مرسل عذابي إلى عصاة بني إسرائيل، فشق ذلك على المرسلين، فأوحى الله إليهم: اختاروا لأنفسكم، إن شئتم أنزلت بكم العذاب وأنجيت بني إسرائيل، وإن شئتم أنجيتم وأنزلت العذاب ببني إسرائيل، وأنزل العذاب بأولئك الرسل، وذلك أنه سلط عليهم ملوك الأرض، فمنهم من نشر بالمناشير، ومنهم من سلخ جلدة رأٍه ووجهه، ومنهم من صلب على الخشب حتى مات، ومنهم من أحرق بالنار. وقيل: أولو العزم أربعة: إبراهيم صبر على فقد نفسه وذبح نفسه وذبح ولده. وموسى صبر على أذى قومه، ووثق بربه حين قال له قومه: إنا لمدركون، فقال: كلا إن ربي معي سيهدين. وداود صبر على البكاء من أجل خطيئته، حتى نبت من دموعه الشجر؛ فقعد تحت ظله. وعيسى لم يضع لبنة على لبنة وقال: إنها معبرة فاعبروها ولا تعمروها. فكأن الله تعالى يقول لنبيه: كن صادقاً واثقاً بربك، مهتماً بما سلف منك، زاهداً في الدنيا، وقيل: أولو العزم خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وهو المعتمد، لأنهم أصحاب الشرائع. قوله: (ولم نجد له عزماً) أي تاماً، لأن ارادتنا أكله من الشجرة؛ غلبت ارادته عدم الأكل منها؛ وإلا فكل نبي صاحب عزم؛ غير أنهم يتفاوتون فيه على حساب مراتبهم، قال تعالى:﴿ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾[البقرة: ٢٥٣].
قوله: ﴿ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ﴾ أي لأجلهم، والمفعول محذوف قدره المفسر بقوله: (نزول العذاب). قوله: (قيل كأنه ضجر) الخ، المناسب حذف كان كما في عبارة غيره. قوله: (فإنه نازل بهم) أي ولو في الآخرة. قوله: ﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ ﴾ ظرف لقوله: ﴿ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ ﴾ الخ. قوله: (لطوله) تعليل لقوله: ﴿ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ ﴾ مقدم عليه. قوله: ﴿ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ﴾ أي لأن ما مضى عليهم من الزمان، كأنهم لم يروه لانقضائه. قوله: (هذا القرآن): ﴿ بَلاَغٌ ﴾ أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ بَلاَغٌ ﴾ خبر لمحذوف. قوله: (تبليغ من الله إليكم) أي بلغكم إياه فآمنوا به، أو المعنى موصل من عمل به وآمن إلى الدرجات العلى، لما ورد: يقال له: اقرأ وارق ويؤنسه في قبره، وموصل من لم يعمل به إلى الدركات اسلفلى. قوله: ﴿ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾ أي لا يكون الهلاك والدمار إلا للكافرين، وأما من مات على الإيمان ولو عاصياً فهو فائز، ولا يقال له هالك، وهذه الآية أرجى آية في القرآن، إذ فيها تطميع في سعة فضل الله ورحمته.- فائدة - نقل القرطبي عن ابن عباس، أن المرأة إذا تعسر وضعها، تكتب هاتان الآيتان والكلمتان في صحفة، ثم تغسل وتسقى منها، فإنها تلد سريعاً، وهي: بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله العظيم الحليم الكريم، سبحان الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا ﴾[النازعات: ٤٦] ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾.