قوله: ﴿ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي وهم أهل الحديبية، حين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مناجزة الحرب مع أهل مكة، بعد أن حصل لهم ما شأنه أن يزعج النفوس ويزيغ القلوب، من صد الكفار، ورجوع الصحابة دون بلوغ مقصود، فلم يرجع أحد منهم عن الإيمان، بعد أن هاج الناس وزلزلوا، حتى عمر بن الخطاب لما روي أنه قال:" أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست نبي لله حقاً؟ قال: بلى قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعط الدنية في ديننا إذاً؟ قال: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري، قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى أنا أخبرتك أنا نأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به، قال: فأتيت أبا بكر، فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: بلى، فقلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، فقلت: فلم نعط الدنية في ديننا؟ إذاً؟ قال: أيها الرجل، إنه رسول الله، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بأمره ولا تخالفه، فوالله إنه على الحق، قلت: أو ليس كان يحدثنا أنا سنأتي البين فنطوف به؟ قال: بلى، افأخبرك أن نأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه فتطوف به "قال العلماء: لم يكن سؤال عمر شكاً، بل طلباً لكشف ما خفي عنه، وحثاً على إذلال الكفار، وظهور الإسلام، كما هو معروف من شدته وصلابته في الدين، وأما جواب أبي بكر المطابق لجواب النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من الدلائل الظاهرة على عظيم فصله، وبارع علمه، وزيادة عرفانه ورسوخه، رضي الله عنهما وعنا بهما. قوله: (بشرائع الدين) متعلق بـ ﴿ إِيمَٰناً ﴾.
وقوله: ﴿ مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ ﴾ متعلق بمحذوف، أي بالله ورسوله. قوله: ﴿ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ اختلف في المراد بجنود السماوات والأرض، فقيل: هم ملائكة السماوات والأرض، وقيل: إن جنود السماوات الملائكة، وجنود الأرض الحيوانات، وقيل: إن جنود السماوات مثل الصواعق والصيحة والحجارة، وجنود الأرض مثل الزلازل والخسفْ والغرق، ونحو ذلك، وكل صحيح. قوله: (لفعل) أي لكنه لم يفعل، بل أنزل السكينة على المؤمنين، ليكون إهلاك الأعداء بأيديهم، ليحصل لهم الشرف والعز دنيا وأخرى. قوله: (متعلق بمحذوف) أي لا بفتحنا، أي لئلا يلزم عليه عمل الفعل في حرفي جر متحدي اللفظ، والمعنى: من غير عطف ولا بدل ولا توكيد. قوله: ﴿ وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ أي يمحوها، وهو معطوف على قوله: ﴿ لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ الخ، عطف سبب على مسبب، فدخول الجنة مسبب على تكفير السيئات، وقدم الإدخال في الذكر على التكفير، مسارعة إلى بيان ما هو المطلب الأعلى. قوله: ﴿ وَكَانَ ذَلِكَ ﴾ أي المذكور من الإدخال والتكفير. قوله: ﴿ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ حال من ﴿ فَوْزاً ﴾ لأنه صفة له في الأصل، فلما قدم عليه صار حالاً، أي كائناً عند الله، أي في علمه وقضائه.