قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ ﴾ اختلف في سبب نزول هذه الآية، فقال ابن عباس: لما كان يوم فتح مكة، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً حتى علا ظهر الكعبة فأذن، فقال عتاب بن أسيد بن أبي الفيض: الحمد لله الذي قبض أبي حتى لا يرى هذا اليوم، وقال الحرث بن هشام: ما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذناً، وقال سهل بن عمرو: وإن يرد الله شيئاً يغيره، وقال أبو سفيان: أنا لا أقول شيئاً أخاف أن يخبره رب السماوات، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما قالوا، فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، زجراً لهم عن التفاخر بالأنساب، والتكاثر بالأموال، والازدراء بالفقراء، وأن المدار على التقوى، لأن الجميع من آدم وحواء، وإنما الفضل بالتقوى، وقيل: نزلت في أبي هند، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني بياضة أن يزوجوه امرأة منهم، فقالوا لرسول الله: نزوج بناتنا موالينا؟ وقيل: نزلت في قيس بن ثابت حين قال له رجل: افسح لي، فقال: إن ابن فلانة يقول: افسح لي، كناية عن استخفافه به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الذاكر فلانة؟ قال ثابت: رأيت أبيض وأسود وأحمر، فقال: إنك لا تفضلهم إلا بالتقوى، ونزل فيه أيضاً قوله تعالى:﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ ﴾[المجادلة: ١١] الآية. قوله: (آدم وحواء) لف ونشر مرتب. قوله: (هو أعلى طبقات النسب) أي فالشعوب رؤوس القبائل، وسمي شعباً لتشعب القبائل منه. قوله: (ثم الفضائل آخرها) أي فالمراتب ست، وزاد بعضهم سابعة وهي العشيرة، وكل واحدة تدخل فيما قبلها، فالقبائل تحت الشعوب، والعمائر تحت القبائل؛ والبطون تحت العمائر، والأفخاذ تحت البطون، والفصائل تحت الأفخاذ، والعشائر تحت الفصائل. قوله: (بكسر العين) أي وفتحها، ففيها لغتان، لكن الأفصح الفتح. قوله: (ليعرف بعضكم بعضاً) أي فتصلوا أرحامكم وتنتسبوا لآبائكم. قوله: (وإنما الفخر بالتقوى) أي الافتخار المحمود، إنما يكون على أهل الكفر بترك الشرك والتمسك بالإسلام وشعائره. قوله: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ أي أعزكم عند الله أكثركم تقوى، فهي سبب رفعة القدر في الدنيا والآخرة، وانظر إلى قوله: ﴿ أَتْقَاكُمْ ﴾ ولم يقل أكثركم مالاً ولا جاهاً، ولا أحسنكم صورة، ولا غير ذلك من الأمور التي تفتى. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ ﴾ أي يعلم ظواهركم خبير يعلم بواطنكم، فلا يخفى عليه شيء. قوله: (نفر من بني أسد) أشار بذلك إلى سبب نزول هذه الآية، وذلك أنهم قدموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة مجدبة فأظهروا الإسلام، ولم يكونوا مؤمنين في السر، وأفسدوا طريق المدينة بالعذرات وأعلوا أسعارها، وكانوا يغدون ويروحون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: أتتك العرب بأنفسها على ظهور رواحلها، ونحن جئناك بالأطفال والعيال والذراري، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، يمنون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويريدون الصدقة ويقولون أعطنا، فنزلت هذه الآية. قوله: (صدقنا بقلوبنا) جواب عما يقال: إن الإسلام والإيمان متلازمان، فأجاب: بأن المنفي هنا الإيمان بالقلب، والمثبت الانقياد ظاهراً، فهما متغايران بهذا الاعتبار، وأما الإسلام والإيمان الشرعيان المعتبران متحدان ما صدقا، وإن ان مفهومهما مختلفاً، إذ الإيمان هو التصديق القلبي بشرط التعلق بالشهادتين، والإسلام الانقياد الظاهري الناشئ عن التصديق القلبي.