قوله: ﴿ فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ ﴾ مفرع على ما علم من توحيد الله، والمعنى: حيث علمتم أن الله واحد لا شريك له، وأنه الضار النافع، المعطي المانع، فالجأوا إليه واهرعوا إلى طاعته، والفرار مراتب، ففرار العامة من الكفر والمعاصي إلى الإيمان والطاعة، وفرار الخاصة من كل شاغل عن الله، كالمال والولد، إلى شهود الله والانهماك في طاعته، فلا يصرف جزءاً من أجزائه لغير الله، فكما أن الله في خلق العبد واحد، فليكن العبد في إقباله على ربه واحداص، بحيث لا يجعل في قلبه غير حب ربه، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. قوله: (أي إلى ثوابه من عقابه) الخ، حمله على الفرار العام، لأن أوامر القرآن ونواهيه لعامة الخلق التي من امتثلها فقد زحزح عن النار وأدخل الجنة. قوله: ﴿ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ تعليل لما قبله، والضمير في ﴿ مِّنْهُ ﴾ عائد على الله، والمعنى فروا إليه لأني مخوف لكم منه. قوله: ﴿ وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ ﴾ الخ، أشار بذلك إلى أن الطاعة لا تنفع مع الإشراك، ولذا كرر قوله: ﴿ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ فالفائز من جمع بين الطاعة والتوحيد، والمعنى لا تنسبوا وصف الألوهية لغير الله، فإنه لا يستحقه غيره. قوله: (يقدر قبل ففروا قل لهم) أي فهو مقول لقول محذوف وليس بمتعين، إذ يصح أن تكون الفاء فصيحة، والتقدير: إذا علمتم ما تقدم من صفات الله الكمالية ﴿ فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ ﴾ كما تقدم. قوله: ﴿ كَذَلِكَ ﴾ خبر مقدم، وقوله: ﴿ مَآ أَتَى ﴾ الخ، مبتدأ مؤخر، والمعنى تكذيب الأمم السابقة لأنبيائهم كائن كذلك، أي كتكذيب أمتك لك كما أفاده المفسر. قوله: ﴿ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ تقدم أن ﴿ أَوْ ﴾ بمعنى الواو، وحكمة جمعهم بين الوصفين، أن خروجه عن عوائدهم وعما عليه آباؤهم، وعدم مبالاته بالجم الغفير، اقتضى تسميته مجنوناً، وإتيانه بالمعجزات التي بهرت عقولهم، اقتضت تسميته ساحراً. قوله: ﴿ أَتَوَاصَوْاْ بِهِ ﴾ أي أوصى بعضهم بعضاً بهذه المقالة واجتمعوا عليها. قوله: (استفهام بمعنى النفي) أي فهو إنكار تعجبي، والمعنى ما وقع منهم تواص بذلك، لأنهم لم يتلاقوا في زمان واحد. قوله: ﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ إضراب عن الاستفهام المتقدم، وبيان لحقية الباعث لهم على تلك المقالة. قوله: ﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾ أي اعرض عن خطابهم وجدالهم. قوله: ﴿ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ ﴾ أي لا لوم عليك في الإعراض عنهم، فإنك قد بلغت الغاية في النصح وبذل الجهد، ولما نزلت هذه الآية، حزن رسول الله، واشتد الأمر على أصحابه، وظنوا أن الوحي قد انقطع، وأن العذاب قد حضر، إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولى عنهم، وجرت عادة الله في الأمم السابقة، متى أمر رسولهم بالإعراض عنهم، حل بهم العذاب فأنزل الله ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ فسروا بذلك، ولذلك قيل إنها ناسخة لما قبلها، ولكن الحق أن ما قبلها منسوخ بآية السيف قوله: ﴿ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ تعليل لقوله: ﴿ وَذَكِّرْ ﴾ والمعنى لا تترك التذكير، فربما انتفع به من علم الله إيمانه، ويؤخذ من الآية أن البلاء لا ينزل بقوم وفيهم المتذكرون لما ورد: إن الله يكلع على عمار المساجد، فيرفع العذاب عن مستحقيه.


الصفحة التالية
Icon