قوله: ﴿ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ أي لا لطلب الدنيا والانهماك فيها. قوله: (ولا ينافي ذلك) أي الحصر المذكور، وهو جواب عن سؤال مقدر حاصله: أن الله تعالى حصر الجن والإنس في العبادة، فمقتضاه أنه لا يخرج أحد عنها، مع أنه شوهد كثير من الخلف كفر وترك العبادة، فأجاب المفسر، بأن اللام للغاية والعاقبة لا للعلة الباعثة، لأن الله لا يبعثه شيء على شيء، وقوله: (فإنك قد لا تكسب به) اعترض بأن هذا مسلم في أفعال المخلوقين، لجهلهم بعواقب الأمور، وأما في حق الله تعالى، فلا يصح النخلف في فعله، بل مقتضاه أنه عالم بأنهم سيعبدونه ولا بد، ولا يمكن تخلفه في البعض، فالجواب الصحيح أن يقال: إن الله تعالى خلق الخلق، وجعلهم مهيئين صالحين للعبادة، بأن ركب فيهم عقلاً وحواس، وجعلهم قابلين للعبادة والطاعة، وبعد ذلك اختار لعبادته وطاعته من أحب منهم، فلا يلزم من الصلاحية للعبادة وقوعها منهم بالفعل، وقيل: معنى ليعبدون لآمرهم وأكلفهم بعبادتي، لا ليهتموا بالرزق وينهمكوا في خدمة الدنيا، وهذا على حد﴿ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ ﴾[البينة: ٥] وقيل: معناه إلا ليوحدون فالمؤمن يوحده طوعاً، والكافر يوحده كرهاً، وقيل: إنه عام أريد به الخصوص، والمعنى ﴿ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ بدليل القراءة الشاذة: وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين. قوله: ﴿ مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ ﴾ (لي ولا لأنفسهم) دفع المفسر بقوله: (لي) ما يتوهم من عادة سادات العبيد في احتياجهم لمكاسب عبيدهم، فالمعنى: أن عادة الله سبحانه وتعالى، ليست كعادة السادات مع عبيدهم، فإنهم يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشتهم. قوله: ﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ﴾ إن قلت: إن هذا يغني عنه ما قبله. أجيب: بأنه أتى به لدفع توهم ما عليه سادات العبيد الأغنياء، من احتياجهم للاستعانة بهم في صنع الطعام مثلاً وتهيئته، ونحو ذلك، فكأنه قال: شأن ربنا ليس كشأن السادات مع عبيدهم، فليس محتاجاً لعبيده في تحصيل رزق ولا في صنعه، لا له، ولا لغيره، وهذا من تنزلات الحق سبحانه وتعالى لضعفاء العقول، وإلا فيستحيل على الله عقلاً تلك الأوصاف، ولا ينفي في نفس الأمر إلا ما جوزه العقل. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ﴾ أتى بالاسم الظاهر للتفخيم والتعظيم، وأكد الجملة بإن، والضمير المنفصل، لقطع أوهام الخلق في أمور الرزق، وليقوى اعتمادهم عليه. قوله: ﴿ ٱلْمَتِينُ ﴾ العامة على رفعه، وهو إما نعت للرزق، أو لذو، أو خبر بعد خبر، وقرئ شذوذاً بالجر. قوله: (الشديد) أي الذي لا يطرأ عليه ضعف ولا عجز. قوله: ﴿ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ الخ، أي فلا تحزن على كفر قومك، وتسل عنهم، فلا بد لهم من العذاب. قوله: ﴿ ذَنُوباً ﴾ هو في الأصل الدلو العظيم، شبه به النصيب من العذاب، اشارة إلى أنه يصب عليهم كما يصب الذنوب، قال تعالى﴿ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ ﴾[الحج: ١٩].
قوله: ﴿ أَصْحَابِهِمْ ﴾ أي نظائرهم من الأمم السابقة.