قوله: ﴿ عَنِ ٱلْهَوَىٰ ﴾ متعلق بينطق، والمعنى ما يصدر نطقه عن هوى نفسه، ومثله الفعل بل جميع أحواله، وهو مفرع على ما قبله، لأنه إذا علم تنزهه عن الضلال والغواية، تفرع عليه أنه لا ينطق عن هواه قرآنه أو غيره. قوله: ﴿ إِنْ هُوَ ﴾ الضمير عائد على النطق المأخوذ من ينطق، والمعنى: ما يتكلم به من القرآن وغيره، ومثل النطق الفعل وجميع أحواله، فهو صلى الله عليه وسلم لا ينطق ولا يفعل إلا بوحي من الله تعالى، لا عن هوى نفسه، قوله: ﴿ يُوحَىٰ ﴾ الجملة صفة لوحي، أتى بها لرفع توهم المجاز، كأنه قال: هو وحي حقيقة، لا مجرد تسميته. قوله: ﴿ عَلَّمَهُ ﴾ (إياه) الضمير المذكور هو المفعول الأول عائد على النبي، والثاني الذي قدره المفسر عائد على الوحي. قوله: ﴿ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ ﴾ صفة لموصوف محذوف قدره المفسر بقوله: (ملك) وهو جبريل عليه السلام، ومن شدة قوته اقتلاعه مدائن قوم لوط، ورفعها إلى السماء وقلبها، وصياحه على قوم ثمود، ونتقه الجبل على بني إسرائيل، وهذه الشدة حاصلة فيه، ولو تشكل بصورة الآدميين، لأنها لا تحكم عليهم الصورة، وهذا قول الجمهور، وقيل: المراد به الرب سبحانه وتعالى، والمراد بالقوى في حقه تعالى، صفات الاقتدار كالكبرياء والعظمة. قوله: ﴿ ذُو مِرَّةٍ ﴾ أي قوة باطنية وعزم وسرعة وحركة، فغاير ما قبله، فجبريل أعطاه الله قوة ظاهرية وقوة باطنية، وقيل: المرة وفور العلم، وقيل: الجمال. قوله: ﴿ فَٱسْتَوَىٰ ﴾ عطف على قوله: ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ ﴾.
قوله: ﴿ وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ الجملة حالية. قوله: (وكان) أي النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (وكان قد سأله) الخ، تعليل لقوله: ﴿ فَٱسْتَوَىٰ ﴾ وذلك أن جبريل كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الآدميين، كما يأتي إلى الأنبياء، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم أن يريه نفسه التي جعله الله عليها. فأراه نفسه مرتين، مرة بالأرض ومرة بالسماء، ولم يره أحد من الأنبياء على صورته التي خلق عليها إلا نبينا صلى الله عليه وسلم. قوله: (فنزل جبريل) عطف على قوله: (فخر مغشياً عليه). قوله: (زاد في القرب) أي فالكلام باق على ظاهره، وقيل: في الكلام قلب، والأصل فتدلى ثم دنا، ومعنى تدلى رجع لصورته الأصلية. قوله: ﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ ﴾ في الكلام حذف، والأصل فكان مقدار مسافة قربه منه، مثل مقدار مسافة قاب قوسين، والقاب القدر، وقيل: هو ما بين المقبض والطرف، ولكل قوس قابان، فأصل الكلام فكان قابي قوسين، فحصل في الكلام قلب. قوله: ﴿ أَوْ أَدْنَىٰ ﴾ أو بمعنى بل، نظير قوله تعالى:﴿ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾[الصافات: ١٤٧] أو على بابها، والشك بالنسبة للرائي، والمعنى: إذا نظرت إليه وهو في تلك الحالة، وتتردد بين المقدارين. قوله: (حتى أفاق) غاية لمحذوف أو ضمه إليه حتى أفاق، روي أنه لما أفاق قال: يا جبريل ما ظننت أن الله خلق أحداً على مثل هذه الصورة، فقال: يا محمد إنما نشرت جناحين من أجنحتي، وإن لي ستمائة جناح، سعة كل جناحٍ ما بين المشرق والمغرب، فقال صلى الله عليه وسلم: إن هذا لعظيم، فقال جبريل: وما أنا في جنب خلق الله إلا يسيراً، ولقد خلق الله إسرافيل، له ستمائة جناح، كل جناح منها قدر جميع أجنحتي، وإنه ليتضاءل أحياناً من مخافة الله تعالى، حتى يكون بقدر الوصع، أي العصفور الصغير، وهذا على كلام الجمهور، وأما على المراد به الرب سبحانه وتعالى، فمعنى الاستواء: الاستعلاء والقهر، ومعنى الدنو والتدلي: تجليه بصفة الجمال والمحبة لعبده، على حد ما قيل في ينزل ربنا كل ليلة.