قوله: ﴿ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ ﴾ هذا مفرع على قوله: ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ ﴾ ومشى المفسر على أن الضمير في ﴿ أَوْحَىٰ ﴾ الأول عائد على الله تعالى، والمراد بالعبد جبريل، والضمير في ﴿ أَوْحَىٰ ﴾ الثاني عائد على جبريل، وهو احتمال من ثمانية، أفادها العلامة الأجهوري وحاصلها أن يقال: الضمير في أوحى الأول، إما عائد على الله أو جبريل، والثاني كذلك، فهذه أربع، وفي كل منها إما أن يراد بالعبد جبريل أو محمد، فهذه ثمان اثنان منها فاسدان وهما أن يجعل الضمير في أوحى الأول عائداً على جبريل، ويراد بالعبد جبريل، سواء جعل الضمير في أوحى الثاني عائداً على الله أو جبريل وباقيها صحيح، والأنسب بمقام المدح أن يعود الضمير في أوحى الأول والثاني على الله، والمراد بالعبد محمد عليه الصلاة والسلام، والمعنى: أوحى الله إلى عبده محمد ما أوحاه الله إليه، من العلوم والأسرار والمعارف التي لا يحصيها إلا معطيها، بواسطة جبريل ويغير واسطته، حين فارقه عند الرفوف. قوله: (ولم يذكر الموحى به تفخيماً لشأنه) أي وإشارة إلى عمومه، واختلف في هذا الموحى به، فقيل مبهم لا نطلع عليه، وإنما يجب علينا الإيمان به إجمالاً، وقيل هو معلوم، وفي تفسيره خلاف، فقيل أوحى الله إليه: ألم أجدك يتمياً فآويتك؟ ألم أجدك ضالاً فهديتك؟ ألم أجدك عائلاً فأغنيتك؟ ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، الذي أنقض ظهرك، ورفعنا لك ذكرك؟ وقيل: أوحى الله إليه أن الجنة حرام على الأنبياء حتى تدخلها يا محمد، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك. قوله: (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان. فالمعنى على التشديد أن ما رآه محمد بعينه صدقه قلبه ولم ينكره، والتخفيف قيل كذلك، وقيل: هو على إسقاط الخافض، والمعنى ما كذب الفؤاد فيما رآه. قوله: (من صورة جبريل) بيان لما رأى؛ وهذا أحد قولين، وقيل هو الله عز وجل، وعليه فقد رأى وربه مرتين، ومرة في مبادئ البعثة، ومرة ليلة الإسراء، واختلف في تلك الرواية فقيل: رآه بعينه حقيقة، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين منهم: ابن عباس، وأنس بن مالك، والحسن وغيرهم، وعليه قول العارف البرعي: وإن قابلت لفظة لن تراني بما كذب الفؤاد فهمت معنىفموسى خر مغشياً عليه وأحمد لم يكن ليزيغ ذهناوقيل: لم يره بعينه، وهو قول عائشة رضي الله عنها، والصحيح الأول لأن المثبت مقدم على النافي، أو لأن عائشة لم يبلغها حديث الرؤية، لكونها كانت حديثة السن.