قوله: ﴿ أَفَتُمَارُونَهُ ﴾ بضم التاء وبالألف بعد الميم من ماراه جادله وغالبه، أو بفتح التاء وسكون الميم من غير ألف من مريته حقه إذا علمته وجحدته إياه، قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ ﴾ أي على ما رآه وهو جبريل على كلام المفسر، وذات الله تعالى على كلام غيره، وعبر بالمضارع استحضاراً للحالة البعيدة في ذهن المخاطبين. قوله: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ ﴾ اللام للقسم، وقوله: (مرة) أشار بذلك إلى أن ﴿ نَزْلَةً ﴾ منصوب على الظرفية. قوله: ﴿ عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ ﴾ سميت بذلك، إما لأنه ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها، أو لأنه ينتهي علم الأنبياء إليها، ويعزب علمهم عما وراءها، أو لأن الأعمال تنتهي إليها وتقبض منها، أو لانتهاء الملائكة إليها ووقوفهم عندها، أو لأنه ينتهي إليها أرواح الشهداء، أو لأنه ينتهي إليها أرواح المؤمنين، أو لأنه ينتهي إليها من كان على سنة رسول الله أقوال، وإضافة سدرة المنتهى، إما من إضافة الشيء إلى مكانه، والتقدير عند سدرة عندها منتهى العلوم، أو من إضافة الملك إلى المالك، على حذف الجار والمجرور، أي سدرة المنتهى إليه، وهو الله عز وجل، قال تعالى:﴿ وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ ﴾[النجم: ٤٢].
قوله: (لما أسري به) أي وكان قبل الهجرة بسنة وأربعة أشهر، وقيل: كان قبلها بثلاث سنين، والرؤية الأولى كانت في بدء البعثة، فبين الرؤيتين نحو عشر سنين. قوله: (وهي شجرة نبق) أي وفيها الحل والحلل والثمار من جميع الألوان، لو وضعت ورقة منها في الأرض لأضاءت لأهلها. قيل: هي شجرة طوبى، والصحيح أنها غيرها، والنبق بكسر الياء وسكونها، واختيرت السدرة لهذا الأمر دون غيرها من الشجر، لما قيل: إن السدرة تختص بثلاثة أوصاف: ظل مديد، وطعام لذيذ، ورائحة ذكية، فشابهت الإيمان الذي يجمع قولاً وعملاً ونية، فظللها من الإيمان بمنزلة العمل لتجاوزه، وطعمها بمنزلة النية لكمونه، ورائحتها بمنزلة القول لظهوره، قيل: إن سدرة المنتهى قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: استوص بإخواني في الأرض خيراً، فقال صلى الله عليه وسلم:" من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار "واستشكل هذا الحديث بأنه يقتضي أن قطع السدر حرام لحاجة ولغير حاجة، مع أنه خلاف المنصوص، وأجيب بأنه سئل أبو داود عن هذا الحديث فقال: هو مختصر وحاصله:" من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثاً وظلماً بغير حق يكون له فيها، صوب الله رأسه في النار "وبعد ذلك فهذا لا يخص السدر. قوله: ﴿ عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ ﴾ حال من ﴿ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ ﴾.
قوله: (تأوي إليها الملائكة) الخ، وقيل: هي الجنة التي أوي إليها آدم عليه السلام إلى أن أخرج منها، وقيل: لأن جبريل وميكائيل يأويان إليها، فهذا وجه تسميتها جنة المأوى، أو لأن أهل السعادة يأوون إليها. قوله: ﴿ مَا يَغْشَىٰ ﴾ أبهم الموصول وصلته إشارة إلى أن ما غشيها لا يحيط به إلا الله تعالى. قوله: (من طير وغيره) ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" رأيت السدرة يغشاها فراش من ذهب، ورأيت على كل ورقة ملكاً قائماً يسبح الله تعالى "وورد أنه عليه الصلاة والسلام قال:" ذهب بي جبريل إلى سدرة المنتهى، وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كقلال هجر، فلما غشيها من أمر الله تعالى ما غشيها تغيرت، فما أحد من خلق الله تعالى يقدر أن ينعتها من حسنها، فأوحى إلي ما أوحى، ففرض علي خسمين صلاة في كل يوم وليلة "وقيل: يغشاها أنوار التجلي وقت مشاهدة النبي صلى الله عليه وسلم لربه، كما تجلى على الجبل عند مكالمة موسى، لكن السدرة أقوى من الجبل، فالجبل صار دكاً، وخر موسى صعقاً، ولم تتحرك السدرة، ولم يتزلزل محمد صلى الله عليه وسلم. قوله: ﴿ مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ ﴾ أي ما يلتفت إلى ما غشى السدرة من العجائب المتقدمة، لأن الزيغ هو الالتفات لغير الجهة التي تعنيه. قوله: ﴿ وَمَا طَغَىٰ ﴾ الطغيان مجاوزة الحد اللائق كما أفاده المفسر، فوصف صلى الله عليه وسلم بكمال الثبات والأدب، مع غرابة ما هو فيه إذ ذاك، وسبق تنزيه علمه من الضلال، وعمله عن الغواية، ونطقه عن الهوى، وفؤاده عن التكذيب، وهنا تنزه بصره عن الزيغ والطغيان مع تأكيد ذلك وتحقيقه بالأقسام، وناهيك بذلك عن رب العزة جل جلاله ثناء.


الصفحة التالية
Icon