قوله: (ما المذكورات) أي الأصنام المذكورات من حيث وصفها بالألوهية، والمعنى ليس لها من وصف الألوهية التي أثبتموها لها إلا لفظها، وأما معناها فيه خلية عنه، لأنها من أحقر المخلوقات وأذلها. قوله: (أي سميتم بها) دفع بذلك ما يقال: إن الأسماء لا تسمى، وإنما يسمى بها، فكيف قال سميتموها؟ فأجاب: بأن الكلام من باب الحذف والإيصال، والمفعول الأول محذوف قدره بقول أصنام. قوله: ﴿ أَنتُمْ ﴾ ضمير فصل أتى به توصلاً لعطف ﴿ وَآبَآؤُكُم ﴾ على الضمير المتصل في سميتموها على حد قول ابن مالك: وإن على ضمير رفع متصل عطفت فافصل بالضمير المنفصلقوله: ﴿ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ ﴾ التفت من خطابهم إلى الغيبة، إشعاراً بأن كثرة قبائحهم، اقتضت الإعراض عنهم. قوله: (مما زين لهم) بيان لما. قوله: ﴿ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ ﴾ الجملة حالية من فاعل ﴿ يَتَّبِعُونَ ﴾ والمعنى: يتبعون الظن وهوى النفس في حالة تنافي ذلك، هو مجيء الهدى من عند ربهم. قوله: (بالبرهان) حال من الهدى والباء للملابسة، والمراد بالبرهان المعجزات. قوله: ﴿ أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ ﴾ ﴿ أَمْ ﴾ منقطعة تفسر ببل والهمزة، والاستفهام إنكاري، والمعنى: ليس للإنسان ما يتمنى، بل يعامل بضده، حيث تتبع هواه وخرج عن حدود الشرع، فالمراد بالإنسان الكافر، وهذه الآية تجر بذيلها على من يلتجئ لغير الله طلباً للفاني، ويتبع نفسه في ما تطلبه، فليس له ما يتمنى، قال العارف: لا تتبع النفس في هواها إن إتباع الهوى هوانوأما أهل الصدق مع ربهم، فلهم ما يتمنون وفوق ذلك، لوعد الله الذي لا يتخلف. قوله: ﴿ فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ ﴾ كالدليل ما قبله، والمعنى: أنه تعالى لا يعطي ما فيهما، إلا لمن اتبع هداه وترك هواه، لأنه مالك للدنيا والآخرة. قوله: ﴿ وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ ﴾ الخ، هذا تقنيط للكفار، من تعلق آمالهم بشفاعة معبوداتهم لهم. قوله: (أي وكثيراً من الملائكة) الخ، أشار بذلك إلى أن ﴿ كَمْ ﴾ خبرية بمعنى كثيراً. قوله: (وما أكرمهم عند الله) جملة تعجبية، جيء بها للدلالة على تشريف الملائكة وزيادة تعظيمهم، ومع ذلك لا تغني شفاعتهم عنهم شيئاً. قوله: ﴿ لِمَن يَشَآءُ ﴾ أي فيمن يشاء. قوله: (ومعلوم أنها لا توجد منهم) راجع لقوله: (ولا يشفعون) والقصد من ذلك التوفيق بين الآيتين، في توقف الشفاعة على الإذن. قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ ﴾ أي وهم مشركو العرب، إن قلت: كيف يقال إنهم غير مؤمنين بالآخرة، مع أنهم يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله؟ أجيب: بأنهم غير جازمين بالآخرة، بدليل قوله تعالى حكاية عنهم﴿ وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ ﴾[فصلت: ٥٠] وإنما اتخذوهم شفعاء على سبيل الاحتمال. وأجيب أيضاً: بأنهم لا يؤمنون بالآخرة على الوجه الذي بينته الرسل. قوله: ﴿ تَسْمِيَةَ ٱلأُنْثَىٰ ﴾ أي تسمية الإناث، وذلك أنهم رأوا في الملائكة تاء التأنيث، وصح عندهم أن يقال: سجدت للملائكة، فقالوا: الملائكة إناث، وجعلوهم بنات الله لكونهم لا أب لهم ولا أم. قوله: (بهذا المقول) أي هم بنات الله. قوله: ﴿ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ ﴾ أي لأنهم لم يشاهدوا خلقهم، ولم يسمعوا ما قالوه من رسول الله، ولم يروه في كتاب، بل عولوا على مجرد ظنهم الفاسد، ولو أذعنوا للقرآن وللنبي، لأفادهم صحة التوحيد ونفعه. قوله: (أي عن العلم) أشار بذلك إلى أن من بمعنى عن، والحق بمعنى العلم. قوله: (فيما المطلوب فيه العلم) أي في الأمر الذي يطلب فيه العلم وهو الاعتقاديات، بخلاف العمليات، فالظن فيها كاف، لاختلاف الأئمة في الفروع الفقهية، فتحصل أن الأمور الاعتقادية، كمعرفة الله تعالى، ومعرفة الرسل وما أتوا به، لا بد فيها من الجزم المطابق للحق عن دليل، ولا يكفي فيها الظن، وأما الأمور العملية كفروع الدين، فيكفي فيها غلبة الظن.