قوله: ﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ ﴾ ﴿ أَمْ ﴾ منقطعة، والمعنى أبل لم يخبر بالذي في صحف موسى الخ، حتى يغتر بما قيل له، وقدم موسى لقرب عهده منهم، وخص هذين الرسولين، لأنهم كانوا قبل إبراهيم يأخذون الرجل بذنب غيره، فكان الرجل إذا قتل، وظفر أهل المقتول بأبي القاتل أو ابنه أو أخيه أو عمه أو خاله قتلوه، حتى جاءهم ابراهيم، فنهاهم عن ذلك وبلغهم عن الله ﴿ أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾.
قوله: (تمم ما أمر به) أي من تبليغ الرسالة، وقيامه بالضيفان، وخدمته إياهم بنفسه، فكان يخرج يلتقي الضيفان من مسافة فرسخ، فإن وجد الضيفان أكرمهم وأكل معهم، وإلا نوى الصوم، وصبره على النار، وذبح ولده، وقيل: المراد ﴿ وَفَّىٰ ﴾ سهام الإسلام وهي ثلاثون: عشرة في التوبة﴿ ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ﴾[التوبة: ١١٢] وعشرة في الأحزاب﴿ إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ ﴾[الأحزاب: ٣٥]، وعشرة في المؤمنون﴿ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾[المؤمنون: ١] وقيل: المراد ﴿ وَفَّىٰ ﴾ بكلمات كان يقولهن إذا أصبح وإذا أمسى﴿ فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ ﴾[الروم: ١٧] إلى﴿ تُظْهِرُونَ ﴾[الروم: ١٨] والمعنى أنه ما أمره الله تعالى بشيء إلا وفى به. قوله: (وبيان ما) أي فقوله (أن لا تزر) في محل جر بدل من ما في قوله: ﴿ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ ﴾ ويصح رفعه على أنه خبر لمحذوف، أي هو ﴿ أَلاَّ تَزِرُ ﴾ ونصبه على أنه مفعول لمحذوف، قوله: ﴿ وَازِرَةٌ ﴾ صفة لموصوف محذوف، أي نفس وازرة، أي مكلفة بالوزر، وليس المراد وازرة بالفعل. قوله: ﴿ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾ أي وزر نفس أخرى. قوله: (الخ) المراد به قوله:﴿ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ ﴾[النجم: ٥٥]، وهذا على فتح همزة ﴿ أَنَّ ﴾ في قوله:﴿ وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ ﴾[النجم: ٤٢] وما بعده وهي المراد ثمانية تضم لثلاث قبلها، فتكون الجملة أحد عشر شيئاً، وأما على قراءة الكسر في هذه الثمانية، فيكون المراد بقوله إلى آخره ﴿ ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ ﴾ فيكون البيان بالثلاثة الأول فقط. قوله: (وأن مخففة من الثقيلة) أي واسمها محذوف هو ضمير الشأن و ﴿ لاَّ تَزِرُ ﴾ هو الخبر. قوله: ﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ ﴾ استشكل هذا الحصر بأمور: منها أن الدال على الخير كفاعله، ومنها واتبعتهم ذريتهم بإيمان، ومنها إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، إلى قوله أو ولد صالح يدعو له، ومنها غير ذلك. قال الشيخ تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية: من اعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلا بعمله، فقد خرق الإجماع، وذلك باطل من وجوه كثيرة، أحدها: أن الإنسان ينتفع بدعاء غيره وهو انتفاع بعمل الغير. ثانيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الموقف في الحساب ثم لأهل الجنة في دخولها. ثالثها: لأهل الكبائر في الخروج من النار، رابعها: أن الملائكة يدعون ويستغفرون لمن في الأرض. خامسها: أن الله تعالى يخرج من النار من لم يعمل خيراً قط بمحض رحمته، وهذا انتفاع بغير عملهم. سادسها: أن أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم. سابعها: قال تعالى في قصة الغلامين اليتيمين﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً ﴾[الكهف: ٨٢].
ثامنها: أن الميت ينتفع بالصدقة عنه وبالعتق بنص السنة والإجماع. تاسعها: أن الحج المفروض يسقط عن الميت بحج وليه عنه بنص السنة. عاشرها: أن الحج المنذور أو الصوم المنذور يسقط عن الميت بعمل غيره بنص السنة وهو انتفاع بعمل الغير. حادي عشرها: المدين قد امتنع صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه حتى قضى دينه أبو قتادة، وقضى دين الآخر علي بن أبي طالب، وانتفع بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو من عمل الغير، إلى آخر ما قال. وأجيب بأجوبة منها: أن الآية منسوخة، ورد بأنها خبر، والأخبار لا تنسخ. ومنها: أن المراد بالإنسان الكافر. ومنها: أن هذا حكاية عما في صحف موسى وإبراهيم فليس في شرعنا.