قوله: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ أي لكل شخص خائف، سواء كان من الإنس أو من الجن، فالجن كلإنس في النعيم، وهو ما عليه الأئمة الثلاثة، وقال أبو حنيفة: إن من مات من الجن مسلماً، يصير تراباً كالبهائم، ولا حظ له في النعيم، قوله: (أي لكل منهم) أي لكل فرد من أفراد الخائفين جنتان، واختلف في المراد بالجنتين اللتين يعطاهما كل خائف، فقيل جنة لعقيدته وجنة لعمله، وقيل جنة لطاعته، وقيل جنة لترك المعاصي، وقل جنة يثاب بها وجنة يتفضل بها عليه. وقيل إحدى الجنتين منزلة، والأخرى منزل أزواجه، كعادة الأكابر في الدنيا، وقيل إحدى الجنتين مسكنة والآخر بستانه، وقيل إحدى الجنتين خلقت له، والأخرى جنة ورثها من الكفار، وعلى كل من الأقوال تسمى إحداهما جنة عدن، والأخرة جنة النعيم، وروي عن ابن عباس في وصف الجنتين أنه قال: الجنتان بستانان في عرض الجنة، كل بستان مسيرة مائة عام، في وسط كل بستان دار من نور، وليس منهما شيء إلا يتهز نعمة وخضرة، قرارها ثابت، وشجرها نابت، وقيل: المراد بالجنتين جنة واحدة، وإنما يثنى رعاية للفواصل. قوله: (أو لمجموعهم) أي إن الكلام على سبيل التوزيع، فإحدى الجنتين للخائف الإنسي، والأخرى للخائف الجني، فكل خائل ليس له إلا جنة واحدة، والأول هو المعتمد. قوله: (قيامه بين يديه) الخ، أشار بذلك إلى أن المقام مصدر ميمي بمعنى القيام، وهو أحد احتمالات ثلاث في تفسير المقام، والثاني أنه اسم مكان، أي خاف من مكان وقوفه للحساب، والثالث أنه مصدر ميمي بمعنى قيام الله عز وجل على الخلائق، أي إشرافه واطلاعه عليهم ومناقشته لهم في الحساب. قوله: (فترك معصيته) أي فتسبب عن خوفه تركه المعاصي، واعلم أن الخوف مرتبتان: مرتبة العامة وهي خوف تعذيب الله أياهم، ومرتبة الخاصة وهي خوف جلال الله وهيبته، وفيها فليتنافس المتنافسون، وللعارفين تفسير آخر وهو أن المراد بالخوف خوف الإجلال والتعظيم والهيبة، والمراد بالجنتين: جنة الشهود في الدنيا بالقلب وفي الآخرة بالإبصار، وجنة الثواب في الآخرة لا غير. قوله: ﴿ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا ﴾ أي نعمه ﴿ تُكَذِّبَانِ ﴾، أبتلك النعم التي من جملتها الجنة ونعيمها أم بغيرها؟ قوله: ﴿ ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ ﴾ إما صفة الجنتان أو خبر لمحذوف أي هما. قوله: (تثنية ذوات) أي الذي هو مفرد. قوله: (على الأصل) أي وذلك لأن أصلها ذوي، تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفاً فصار ذوى كفتى، فهذه الألف لام الكلمة، وإنما قلبت الياء ألفاً دون الواو، مع أن كلاً منهما متحرك، وما قبله مفتوح لأنها ظرف، والظرف في محل تغيير، ولم ترد هذه الألف في التثنية إلياء، فيقال: ذويتان، لأنه لما زيدت التاء في هذا اللفظ، تحصنت الألف من الرد إلى الياء، وما في الآية هو الفصيح في تثنيتها، وقد تثنى على لفظها فيقال ذاتان. قوله: (أغصان) أي وهي فروع الشجر التي تشمتمل على الورق والثمار. قوله: (جمع فنن) هذا أحد قولين؛ وقيل جمع فن أن نوع وشكل. قوله: ﴿ فِيهِمَا ﴾ أي في كل واحدة منهما. قوله: ﴿ عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ ﴾ أي بالماء الزلال، إحداهما تسمى التسنيم، والأخرى السلسبيل، وقيل إحداهما من ماء غير آسن، والآخرى من خمر لذة للشاربين.