قوله: ﴿ سَبَّحَ للَّهِ ﴾ عبر هنا وفي الحشر والصف بالماضي، وفي الجمعة والتغابن بالمضارع، وفي الأعلى بالأمر، وفي الإسراء بالمصدر، إشعاراً بأن التسبيح مطلوب من الإنسان في كل حال، وصدر بالمصدر تنبيهاً على أن تنزيهه تعالى مطلق، لا يتقيد بزمان ولا مكان ولا بفاعل معين، كما أن المصدر مطلق عن الفاعل والزمان ثم بالماضي لتقدم زمنه، ثم بالمضارع لشموله للحال والاستقبال، ثم بالأمر لتأكيد الحث على طلبه من الشخص، فكأنه قال: حيث علمت أيها الشخص، أن ربك منزه تنزيهاً مطلقاً، وسبحه من تقدم من المخلوقات، واستمروا على تسبيحه، فعليك بالاشتغال به، والتسبيح تنزيه المولى عن كل ما لا يليق به قولاً وفعلاً واعتقاداً من سبح في الأرض والماء ذهب وأبعد فيهما، إن قلت: إن ﴿ سَبَّحَ ﴾ متعد بنفسه، فما وجه الإتيان باللام له؟ أجيب: بأن اللام زائدة للتأكيد، كما في نصحت له وشكرت له، وعليه اقتصر المفسر، أو التعليل، والمعنى: فعل التسبيح لأجل رضا الله تعالى وخالصاً لوجهه، لا لغرض آخر. قوله: (فاللام مزيدة) أي للتأكيد، وهو مفرع على قوله: (أي نزهه) أو أصلية للتعليل كما علمت. قوله: (تغليباً للأكثر) أي وهو غير العاقل، فالمراد بالسماوات والأرض جهة العلو والسفل، فيشمل نفس السماوات والأرض، واعلم أن تسبيح العقلاء بلسان المقال اتفاقاً. واختلف في تسبيح غيرهم، فقيل بالحال أي إن ذاتها دالة على تنزيه صانعها عن كل نقص، وقيل بلسان المقال أيضاً، ولكن لا يطلع على تسبيحها، إلا من خصه الله بذلك. قوله: ﴿ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ (في ملكه) أي الغالب على أمره لا يغلبه شيء. قوله: ﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾ (في صنعه) أي يضع الشيء في محله، فلا حرج عليه، ولا معقب لحكمه. قوله: ﴿ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ جملة مسأتنفة كالدليل لما قبلها، كأنه قيل: ﴿ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾، لأن له ملك السماوات والأرض، يتصرف فيه على ما يريد.