قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ مبتدأ أول، و ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ مبتدأ ثان، و ﴿ هُمُ ﴾ إما ضمير فصل أو مبتدأ ثالث، و ﴿ ٱلصِّدِّيقُونَ ﴾ خبر الثالث، وهو وخبره الثاني، وهو وخبره خبر الأول. قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ ﴾ أي الموصوفون بالإيمان بالله ورسله، والمراد بالإيمان الكامل، وإلا فمجرد الإيمان لا يسمى الشخص به صديقاً؛ لأن الصديقية مرتبة تحت مرتبة النبوة. قوله: ﴿ وَٱلشُّهَدَآءُ ﴾ يحتمل أن يكون معطوفاً على ما قبله، فالوقف تام على قوله: ﴿ ٱلشُّهَدَآءُ ﴾ ويكون أخبر عن الذين آمنوا؛ بأنهم صديقون شهداء، وقوله: ﴿ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ ظرف متعلق بقوله بعد ﴿ لَهُمْ أَجْرُهُمْ ﴾ ويحتمل أن يكون مبتدأ، وخبره إما الظرف بعده أو جملة ﴿ لَهُمْ أَجْرُهُمْ ﴾ قوله: (النار) أي فمراده بالجحيم دار العذاب لا خصوص الطبقة المسماة بالجحيم. قوله: ﴿ ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ ﴾ الخ، لما ذكر الآخرة وأحوال الخلق فيها، شرع يزهدهم في الدنيا، لأنها قليلة النفع سريعة الزوال. قوله: ﴿ لَعِبٌ ﴾ أي يتعب الناس فيها أنفسهم جداً، كإتعاب الصبيان أنفسهم في اللعب من غير فائدة. قوله: ﴿ وَلَهْوٌ ﴾ أي شغل عن الآخرة. قوله: ﴿ وَزِينَةٌ ﴾ أي ما يتزين به من اللباس والحلي ونحوهما. قوله: ﴿ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ ﴾ أي مفاخرة حاصلة فيما بينكم، والعامة على تنوين تفاخر، وقرئ شذوذاً بإضافته إلى الظرف بعده. قوله: (أي الاشتغال فيها) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا ﴾ مبتدأ على حذف مضاف، والتقدير: إنما الاشتغال بالحياة الدنيا لعب الخ، فالشغل بها دائر بين هذه الأمور الخمسة، قال علي كرم الله وجهه لعمار بن ياسر: لا تحزن على الدنيا، فإن الدنيا ستة أشياء: مأكول ومشروب وملبوس ومشموم ومركوب ومنكوح، فأحسن طعامها العسل وهو بزقة ذبابة، وأكثر شرابها الماء، وهو يستوي فيه جميع الحيوان، وأفضل ملبوسها الديباج وهو نسج دودة، وأفضل مشمومها المسك وهو دم فأرة؛ وأفضل المركوب الفرس وعليها تقتل الرجال، وأما المنكوح فهو النساء وهن مبال في مبال. قوله: ﴿ كَمَثَلِ غَيْثٍ ﴾ يحتمل أن يكون خبراً سادساً لأن، ويحتمل أن يكون خبر المحذوف وعليه اقتصر المفسر، والمثل بمعنى الصفة، والمعنى صفتها كصفة غيث الخ٠ قوله: (مطر) أي حصل بعد جدب ويأس. قوله: (الزرع) إنما سموا كفاراً، لأنهم يسترون الأرض بالزرع بسبب الحرث والبذر، كما سمي من ستر الإيمان بالطغيان والجحد كافراً؛ ويصح أن يبقى الكفار على حقيقته، وذلك لأن الكفار يفتخرون ويعجبون في السراء، ويسخرون في الضراء، فإذا كانوا زراعاً، افتخروا بالزرع إذا ظهر، وسخطوا إذا ضاع، فصفة الدنيا كصفة كفار زراع، تعبوا في الأرض وحرثوها وبذروها، فظهر زرعها ففرحوا به فرح بطر وخيلاء، ثم يجف بعد خضرته ونضارته، فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً، وعبارة المفسر محتملة للمعنيين، لأن قوله: (الزراع) يحتمل أن يكون تفسيراً للكفار، أو صفة لهم. قوله: (ييبس) تفسير البهيج، والحامل له على ذلك تفريع قوله: ﴿ مُصْفَرّاً ﴾ عليه، وإلا فيهيج معناه في اللغة يطول جداً. قوله: ﴿ وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ لما ذكر أحوال الدنيا الزائلة، ذكر ما يكون عقب زوالها، وقسمه إلى قسمين: عذاب شديد، ومغفرة ورضوان، وفي الآية إشارة عظيمة حيث قابل العذاب بشيئين: المغفرة والرضوان، فهو من باب: لن يغلب عسر يسرين. قوله: (ما التمتع فيها) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ ﴾ مبتدأ على حذف مضاف. قوله: ﴿ إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ ﴾ هو بالضم وما اغتر به الشخص من متاع الدنيا.


الصفحة التالية
Icon